الاقسام: عقار

جباية زكاة الأراضي البيضاء والعقارات التجارية

د. محمد آل عباس

سمعت الكثير عن زكاة الأراضي البيضاء ، وقد كتبت عن هذا الموضوع في مقال بعنوان “الأراضي البيضاء. الزكاة ليست مغرما”، وقلت فيه إن لكم فرض رسوم على الأراضي البيضاء لكن لا تسموا ذلك بالزكاة فالزكاة عبادة قبل كل شيء ولها أموال مخصوصة بصفات مخصوصة ومنها النماء ولها أيضا فئة مخصوصة من المستحقين. ومع ذلك فإنني ما زلت أعجب ممن ينادي بالزكاة في الأراضي البيضاء كيف يتناسى أهمية الزكاة على المستغلات ومنها زكاة الأبراج والمباني التجارية التي تنتشر في كل شارع وحي.

المستغلات بشكل عام هي أموال لم تخصص للتجارة فهي ليست عروضا للتجارة بذاتها، ولكنها أيضا لا تستخدم للأغراض الشخصية وليست كنزا بل هي مستخدمة مستغلة من أجل نماء المال بشكل عام، ومن ذلك جميع الأصول الثابتة التي تملكها جميع الشركات فهي من نوع المستغلات ويدخل في ذلك مشاريع الثروات الحيوانية ومثل مناحل العسل ولكن الأهم في هذا الموضوع كله بالنسبة لي هو المباني السكنية المعدة للإيجار والشقق المفروشة. ولست هنا في مقام إثبات وجوب الزكاة في المستغلات ولكن الأمر مشهور ويمكن الرجوع إليه في كتب الفقه. ويبقى السؤال عندي لماذا لا تهتم مصلحة الزكاة والدخل بجباية الزكاة عن المستغلات خاصة عن تلك المئات بل الألوف من المباني التجارية المؤجرة؟ ذلك أن عدم جبايتها فيه تناقض غير واضح لا يفسر ذلك سوى أن مصلحة الزكاة تتعامل مع الزكاة على أنها غرامة وليس الزكاة الشريعة التي أمر الله بها وهي عبادة واجبة لله وحده وأنها شعيرة من شعائر الإسلام الكبرى مثل الصيام والحج والصلاة.

فالمسلم مكلف بأداء الزكاة سواء أخذتها منه المصلحة أم لم تأخذها، فلا فرق عند المسلمين في ذلك، بمعنى أن هذا لن يؤثر في أي حراك اقتصادي أو أسعار أو خلاف ذلك، لأن المسلم الذي يخاف الله ويعبده على بصيرة يقوم اليوم بمحض إرادته بدفع هذه الزكاة لكنه يدفعها بشكل غير منظم وهذا ما نريد من مصلحة الزكاة أن تقوم به، من حيث تتبع هذا النوع من الزكاة وحصرها ومن ثم جبايتها وصرفها وفقا للشرع المطهر. وجباية هذه الزكاة سوف تقدم دليلا لا جدال فيه على أن المصلحة تجبي الزكاة كفريضة لا كغرامة. ذلك أن من سيدفع زكاة المستغلات ليس بحاجة إلى الحصول على شهادة زكاة من أجل تجديد رخصة أو فتح محال، فإذا عملت المصلحة على جباية هذه الزكاة فهذا من باب أنها المسؤولة شرعا عن ذلك وأنها تدفعها فورا إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تقوم بدورها بتوزيعها على مستحقيها.

ولهذا أؤكد مرارا وتكرارا على أنه يجب على مصلحة الزكاة أن تعامل الزكاة من هذا الباب الشرعي وليس من باب أنها غرامة، ومعنى الغرامة هنا أن المصلحة تصر على ربط الزكاة بشهادة ومن ثم ربط استمرار المشروع بالحصول على هذه الشهادة فأصبحت الزكاة لا تدفع من أجل التعبد لله بل فقط من أجل إنجاز الأعمال المتعثرة، فهي غرامة عند الكثير يجب أن يدفعها حتى تسير أعماله بلا مشكلات. أقول هذا لأنه لا مبرر لأن تعمل مصلحة الزكاة بكل جهدها على تحصيل الزكاة وجبايتها بكل الوسائل من محال صغيرة مهما بلغ صغرها، فهذا محل صغير للحلاقة، وهذا محل خضراوات وبقالة لا يمكن لأكثر من شخصين الدخول إليها، ومع ذلك فإن هذه المحال مجبرة على الحصول على شهادة من مصلحة الزكاة حتى يمكن لها تجديد الترخيص، وطبعا لن تجدد لهذه المحال دفاتر محاسبية ولا قوائم المالية فيتم الربط من خلال الحكم التقديري (الجزافي)، ومن المدهش والمفارقة العجيبة بل من المفاهيم المختلطة أن تجد فوق هذه المحال مبنى شاهقا، مؤجرا بالكامل، يدر المئات من الآلاف سنويا ومع ذلك لا تهتم به المصلحة ولا أحد يسأل أين ينفق مثل هذا زكاته. ومثل هذا كثير جدا، ويكفي أن تمر على أي شارع تجاري رئيس أو فرعي لتجد الآلاف من المباني المؤجرة تجاريا، فيها شقق مفروشة ومحال تجارية ومع ذلك لا أحد يسأل أين زكاة مثل هذه المشاريع التي أقرت كتب الفقه أن الزكاة فيها واجبة على أساس أنها من أنواع المستغلات، فلم تبن هذه المباني من حاجة بل من فائض حاجة، وما بنيت إلا بقصد نماء المال واستغلاله، وتنمية الثروات.

لا أعرف كيف لمحل صغير يعمل فيه صاحبه “لسد الحاجة فقط”، بل عين الحاجة، وقد لا يحقق هذا المحل من الأرباح سوى ما يسد حاجة صاحبه وأهل بيته ومع ذلك فإنه يجبر جبرا على دفع الزكاة (كغرامة)، حتى أثقلت على بعض الناس ومنهم والله يعلم أنهم غير مكلفين بها، بينما يقف صاحب العمارة (وقد لا تكون واحدة بل عشرات منها) يقف كل شهر أمام هذه المحال الصغيرة ليجبي منها مبالغ طائلة قد تمثل أكثر من ثلثي دخل هذه المحال، فهو أول أو أكبر مستفيد من أعمالهم كمثل الإقطاعي في العصور الأوروبية الوسطى، كما أنه يأخذها فائضة عن جميع احتياجاته ويركمها بعضها فوق بعض، ولا أحد يعرف هل يدفع زكاتها أم لا.

فإذا كانت المحال تدفع الزكاة لأنها تعمل في التجارة فإن صاحب المبنى التجاري أولى بذلك لأن المبنى تجاري أولا، ولأن الدخل الذي يحصل عليها من نتاج محال تجارية عليها زكاة، فلا يعقل شرعا ولا عقلا أن يترك بلا تتبع ولا جباية. كما أن عملية حصر وتقدير الزكاة على مثل هذه المشاريع سهلة وميسرة، إضافة إلى ذلك فإن الزكاة المتوقعة من مثل هذه المستغلات ستكون أضعاف ما تتحمله المحال المستأجرة، والله أعلم وهو من وراء القصد.

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020