تحديات هيئة المقاولين .. الحلول والمعالجة

هل المقاولات مهنة وصناعة بذاتها؟ لا يمكن لأحد أن يفتي في بذلك سوى المقاولين أنفسهم. المهنة لا تكون مهنة إلا إذا انبرى أهلها لإنشاء تجمع مهني يضمهم، ومن خلال هذا التجمع المهني يتم تقرير من ينضم لهذه المهنة ممن هو غير مؤهل لها، فالتنظيم المهني سلوك حضاري بذاته يضمن للمجتمع المهني المحافظة على وجوده في المجتمع الكلي للأمة، ومن خلاله يتم الحفاظ على هوية مشتركة وكلمة سواء، والدفاع عن الحقوق المشروعة وأيضا تطوير الأعمال بما يتناسب مع النمو الاقتصادي الشامل، وتبقى للتجمعات المهنية خطورة وضع العوائق أمام المنافسة، فمن قام بإنشاء التجمع المهني يعمل لاحقا لتحصين مواقعه في التجمع والسيطرة عليه وعلى سدة القرار فيه، ويصبح التجمع المهني بعد فترة عبئا على المهنة بدلا من أن يكون عونا لها، وتجاربنا في هذا لا حصر لها.

وبالعودة إلى السؤال الرئيس: هل المقاولات مهنة تحتاج إلى تنظيم؟ الإجابة عند أهل هذه الصناعة الذين استطاعوا إنشاء الهيئة السعودية للمقاولين، وحصلوا على الاعتراف الحكومي بقرار مجلس الوزراء رقم 510 وتاريخ 23 /11 /1436هـ القاضي بالموافقة على تنظيم الهيئة، ومنح وزير التجارة والصناعة صلاحية تشكيل أول مجلس إدارة لها على أن يكون أعضاؤه من المهتمين بمهنة المقاولات، وهذه خطوة كبيرة جدا نحو إصلاح مهني شامل والحصول على اعتراف مجتمعي كامل، لكن الطريق لم يزل طويلا، فلم يكن التنظيم الصادر عن مجلس الوزراء سوى خطوة في طريق شاق.

هناك كثير من المهن في المملكة التي حصلت على الاعتراف الحكومي بها ومع ذلك فإن اعتراف المجتمع لم يزل بعيد المنال عنها، فهناك عديد من الهيئات أصبحت مجرد تعزيز احتكارات مهنية وتسببت في عزل المهنة عن المجتمع، وفي مهن أخرى أصبحت صراعات على تفضيلات اجتماعية، ومحاولات لتجميل السير الذاتية لأعضاء المجالس، وليس هنا مقام المقارنة لكن اعتراف المجتمع ككل يحدث فقط عندما يرفض المجتمع التعامل مع أي مدع وممارس لهذه المهنة إذا لم يكن حاصلا على اعتراف مهني من قبل الهيئة التي تنظم عمله، ولن تصل أي مهنة إلى هذا المستوى إلا إذا مارست أعمالا رقابية صارمة جدا تصل حد الشطب ومحاربة (كمجتمع مهني) كل من يسيء للمهنيين ويشوه الصناعة؛ ومع الأسف فإنه يصعب القول بوجود مهنة في المملكة عند هذا المستوى، وبمعنى آخر فإن المجتمع سيعترف بالمجتمعات المهنية التي تحميه من دخلاء الصناعة وليست التي تحقق لأصحابها احتكارات وتفضيلات اجتماعية غير مستحقة، وإذا كنا نتحدث في مقام المقاولات فإن على هذه الهيئة أن تعمل جاهدة لتعزيز الثقة بهذا القطاع الذي يشهد مشكلات كبيرة وثقة هشة بين المجتمع وأهل هذه المهنة، وهنا مكمن التحدي الكبير الذي سيواجه الهيئة السعودية للمقاولين SCA.

لعل الخطوة الرئيسة في بناء الثقة التي تحتاج إليها مهنة المقاولات مع المجتمع ما أعلنته الهيئة SCA خلال تدشين موقعها الإلكتروني برعاية وزير التجارة والاستثمار، فقد أعلنت عن خطتها الاستراتيجية لتوحيد نماذج العقود عبر إعداد صيغ نموذجية لصناعة المقاولات للمشاريع الخاصة، وتقييم أداء المقاولين من خلال المنصة الإلكترونية للهيئة “مقاول”، إضافة إلى تقديم خدمات الوساطة لحل النزاعات التي قد تنشأ بين المقاولين والملاك، وتعيين مفتشين للتأكد من التزام المقاولين بالقواعد السلوكية للهيئة. وهذه خطوة بناءة جدا، فوجود قواعد السلوك والرقابة والتفتيش كلها خطوات صحيحة لبناء مهنة مستقلة مقبولة من المجتمع، لكن هذا كله سيكون محل اختبار للثقة بين المواطن والهيئة، والنزاعات كثيرة جدا وهي تنشأ عند أبسط القضايا. فهل الهيئة مستعدة لكل ذلك، وفي جميع المناطق؟ ولن نناقش الاستقلال المهني لكن الهيئة تحتاج أيضا إلى حماية مصالح أعضائها من خلال حمايتهم من العقود الحكومية التي تتغير فيها المواصفات الهندسية خلال العمل.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن من التحديات الكبيرة للهيئة السعودية للمقاولين تلك العلاقات المتشابكة جدا بين الهيئة السعودية للمقاولين والهيئة السعودية للمهندسين، ونحن نعرف جميع المشكلات التي مرت بها هيئة المهندسين وصعوبة تحديد أهلية الأعضاء ومراقبة المهندسين على الرغم من أن هناك شهادات واختبارات مهنية، فكيف سيكون الحال مع أعضاء هيئة المقاولين؟ وكيف ستكون العلاقات بين مهندسين مستشارين ومقاولين منفذين؟ ولكل منهما هيئة مرجعية خاصة أن مهنة المقاولات ستضمن قطاعات مقاولات الإنشاءات العامة والمقاولات العامة للمباني، والمقاولات الفرعية التخصصية، وتشغيل وصيانة ونظافة المنشآت.

المصدر