بناء

بروس إدواردز: الطلب النهم على الرمال «2 من 2»

مع تكالب صناعة البناء للعثور على مزيد من الرمال عالية الجودة لتلبية الطلب المتزايد على الزجاج والأسمنت، يتصارع موردو الرمال مع إحدى القوى الطبيعية الأخرى، أي التكسير الهيدروليكي hydraulic fracturing، وهي تقنية غير تقليدية للتنقيب عن النفط تشيع تسميتها بالمصطلح الإنجليزي fracking، ويتم فيها ضخ مزيج من الرمال والسوائل في التكوينات الصخرية العميقة التي تحوي النفط، ما يؤدي إلى كسر هذه الصخور وتيسير استخراجه.

وعلى الرغم من أن استخدام الرمال في عملية التكسير ليس بجديد، فقد اكتشف منتجو النفط أخيرا أن بإمكانهم زيادة إنتاج آبار النفط إذا أكثروا من استخدامها. ونتيجة لذلك سجلت صناعة التكسير الهيدروليكي زيادة حادة في استخدام الإنتاج الصناعي الكلي للرمال في الولايات المتحدة من 5 في المائة فقط في عام 2003 إلى 72 في المائة في عام 2014 (دراستا 2005-2004 USGS).

ويقول ستيفن وايدنر، نائب رئيس شركة بيلكنجتون للزجاج، إن مصانع الزجاج كانت تتنافس في الحصول على الموارد في أوج طفرة التكسير الهيدروليكي. ويضيف: “لقد اضطررنا للحصول على احتياجاتنا من موردي رواسب رملية على مسافة أبعد من ذي قبل، ما تسبب في رفع التكلفة، ولا سيما تكلفة نقل الرمال”.

وتكتسب الرمال أهمية بالغة لعمليات هذه الشركات حتى إن شركة هاليبرتون لخدمات حقول النفط، ومقرها ولاية هيوستن، افتتحت في العام الماضي ما تسميه “غرفة حرب” الرمال للمساعدة على إدارة تدفق مليارات الأرطال من الرمال من المناجم إلى مواقع الآبار عبر أنحاء البلاد. وقد صرح بيلي سميث، أحد كبار المديرين في الشركة والمسؤول عن عملياتها في أمريكا الشمالية، أن البئر المتوسطة يمكن أن تستخدم نحو ثلاثة آلاف طن متري من الرمال، بينما يمكن استخدام ما يصل إلى عشرة آلاف طن متري في آبار أخرى (2014 Holeywell).

حتى وقت قريب، كان معظم الرمال يستخرج من المحاجر البرية وقيعان الأنهار، إلا أن ارتفاع الطلب وتناميه جعلا الموردين يبدأون في تجريف السواحل بحثا عن الرمال في المياه، ما يترك أثرا بيئيا جسيما في الحياة النباتية والحيوانية في قيعان البحار. ويشير تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن “التجريف واستخراج الترسبات من قيعان البحار يدمران الكائنات الحية والبيئات الطبيعية والمنظومات البيئية ويؤثران بشدة في عناصر التنوع الحيوي”.

ويزداد الأمر سوءا بسبب قوارب التجريف التي تستبعد جزيئات الرمال الدقيقة وتطلق غبارا كثيفا يعكر المياه، ما يربك البيئة الطبيعية على مساحة تتجاوز مواقع الاستخراج الفعلية بكثير.

وتتآكل الشواطئ بسرعة أكبر أيضا، ويمكن أن تختفي بالكامل، عند تجريف مياه السواحل. ولكن أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي شاطئ هو تعريته تماما، وهو ما يحدث بالضبط في أماكن يعادل فيها جوال الرمال غذاء يقتات به السكان.

ولم يؤد حظر التعدين الذي فرضه بعض البلدان بهدف تخفيف الأثر البيئي إلا لتقليص المتاح من رمال السواحل وقيعان الأنهار عالية الجودة التي يسعى الجميع للحصول عليها، وإحداث زيادة حادة في الأسعار.

وتجارة الرمال نوع مربح من التجارة في مختلف أنحاء العالم ــ ليس فقط بالنسبة لشركات التعدين العملاقة. فقد أدى غياب القواعد التنظيمية وضعف إنفاذ القواعد القليلة القائمة إلى فتح الباب أمام أعمال التعدين غير المشروعة، كما هو الحال في بعض الاقتصادات النامية حيث تحل المجارف والشاحنات الخفيفة محل زوارق التجريف ومعدات التعدين الثقيلة.

ويأتي نصف كمية الرمال المستخدمة في البناء في المغرب من عمليات استخراج الرمال الساحلية غير المشروعة. وفي بعض مناطق الهند، حيث حدثت زيادات حادة في أسعار الرمال اعتبارا من طفرة التشييد التي بدأت منذ عشرة أعوام تقريبا، تسيطر الاتحادات الاحتكارية على كثير من مدخلات صناعة البناء ويقوم الممارسون للتعدين غير المشروع بسرقة الأراضي للحصول على الرمال، ويقتل الناس في هذا السياق.

“ما من مكان يحتدم فيه الصراع على الرمال أكثر من الهند، حيث تدور المعارك بين مافيا الرمال وضدها، ما أسفر عن مئات القتلى في الأعوام الأخيرة ــ بمن فيهم رجال شرطة ومسؤولون حكوميون وأناس عاديون” (دراسة 2015 Beiser).

يستخدم بعض المدن الرمال لتوسيع مساحتها. وتسجل سنغافورة الرقم القياسي العالمي في هذا الخصوص. فقد اتسعت رقعة المدينة التي تتألف منها هذه الدولة بمقدار 20 في المائة عما كانت عليه منذ 40 عاما، بفضل الرمال المستوردة من كمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند، إذ إن سنغافورة استوردت 517 مليون طن متري من الرمال خلال الـ20 عاما الماضية، طبقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

أما دبي، فقد استنزفت مواردها من الرمال البحرية بتوجيه 380 مليون طن متري لإنشاء مجموعة من الجزر الصناعية أسمتها “نخلة الجميرة” بين عامي 2001 و 2009، ومنذ ذلك الحين، تعتمد دبي على أستراليا في تلبية الطلب على الرمال، بغية إنشاء مشاريع بناء ضخمة أخرى.

ومع استمرار النمو السكاني العالمي، ستزداد الحاجة إلى المساكن، وأبراج المكاتب، والمصانع، والطرق ومراكز التسوق. ونظرا لأن معظم ما نبنيه اليوم مصنوع من الزجاج والخرسانة، فإن الرمال تمثل موردا أساسيا لتنميتنا الاقتصادية.

ولكن مع الزيادة المطردة في كمية ما يستخرج من رمال على مستوى العالم، وعدم وجود معاهدات دولية لتنظيم استخراجها أو استخدامها أو التجارة فيها، يرى برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الضرر البيئي لا شك فيه وأنه يحدث في جميع أنحاء العالم.

وفي النهاية، يتسبب اعتمادنا المفرط على هذا المورد الطبيعي النفيس في إحباط أي استراتيجية للتنمية المستدامة.

المصدر

نشر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020