المطورون العقاريون يديرون ظهورهم للمخططات السكنية ويستثمرون في الصناعية

أجمع عقاريون وصناعيون واقتصاديون على أن المدن الصناعية الموجودة في المنطقة الشرقية، رغم كبر مساحاتها، إلا أنها لم تعد كافية لسد حاجة المستثمرين الصناعيين من الأرضي الصناعية، مشيرين إلى أن عدداً كبيراً من الشركات العقارية انتبهت إلى هذا الأمر، وقررت تكثيف نشاطها لتوفير مخططات صناعية نموذجية في مناطق عدة من المنطقة؛ لإيمانها أن الطلب على الأراضي الصناعية بدأ يشهد المزيد من الاقبال، كما أنه يحقق لها في الوقت ذاته أرباحاً جيدة لم تعد موجودة في المخططات السكنية.

وفيما تحتضن المنطقة الشرقية ثلاث مدن صناعية، (الأولى والثانية والثالثة)، تحتل بها المرتبة الثانية بعد المنطقة الوسطى في عدد المصانع على مستوى المملكة، وذلك بأكثر من 1532مصنعا منتجا، تتجه وزارة التجارة والصناعة حالياً لتأسيس منطقة صناعية نسائية في مدينة الأحساء، لتعزيز عمل المرأة في المصانع، وهو ما يعزز المكانة الصناعية التي تتمتع بها المنطقة الشرقية.

ويقول رئيس شركة الوابل العقارية حمد الوابل: إن الشرقية أصبحت إحدى قلاع الصناعة في المملكة، وقال: «شهدت المنطقة في الفترة الماضية طرح المزيد من المخططات الصناعية في مناطق متعددة، وأصبحت هذه المخططات ضرورة ملحة، تتبناها السوق العقاري، مما كان سببا لانتعاش الحركة الصناعية في المنطقة وتناميها عاما بعد آخر»، مشيراً إلى أن «المدينتين الصناعيتين الأولى والثانية امتلأتا بالمصانع، ولم تعد فيها أراض بكر لإنشاء مصانع أخرى جديدة، أما المدينة الصناعية الثالثة، والتي تضم نحو 2000 مصنع، فلا تلبي كل رغبات الصناعيين في كل المجالات المختلفة، لذا كان لا بد أن يقوم العقاريون بواجبهم، وأن يكثفوا العمل لتطوير المخططات الصناعية في المنطقة، لذا لم يكن غريباً أن نرى في السنوات الماضية طرح المزيد من المخططات الصناعية التي أرى أنها كانت نموذجية، سواء في الموقع أو خدمات البنية التحتية».

من جهته، كشف الرئيس التنفيذي لشركة يزدان العقارية فيصل الزهراني أن مشكلة الأراضي الصناعية في المنطقة الشرقية ليس في قلّة المساحات وإنما في الأراضي الصالحة للاستخدام من قبل الأمانة وكتابات العدل، مما جعل منها سلعة نادرة؛ وذلك لشح السوق لمثل هذه المنتجات الجاهزة والمطورة التي تخدم القطاع الصناعي والصناعيين في المنطقة؛ وذلك لعدم استطاعة البلديات وهيئة المدن الصناعية استيعاب الطلب الكبير والتضخم المتنوع على الأراضي المعدة للاستخدام الصناعي في المناطق المخصصة لذلك، مما ساهم في إيجاد سوق قوية وضخمة على المخططات الصناعية التي يطورها العقاريون؛ وذلك لسد الحاجة الموجودة في السوق حالياً.

مضيفا: «لا شك أن زيادة الطلب على الأراضي الصناعية أصبح واضحاً وملموساً في الآونة الأخيرة؛ وذلك للدعم الكبير الذي تقوم به الدولة تجاه القطاع الصناعي وتوفير كافة احتياجاته المختلفة؛ بهدف تطويره ونموه ليكون أحد القطاعات الاقتصادية والرئيسية في تنويع مصادر الدخل للمملكة وتقليص نسبة الاعتماد على النفط الذي ما زالت مبيعاته تمثل 90 بالمائة من دخل المملكة القومي».وتابع الزهراني: المنطقة الشرقية باتت منطقة صناعية من الطراز الأول، وقال: «المدن الصناعية في المنطقة اليوم أشبه بمعسكرات عمل كبيرة، تجتذب العمال من جميع أحياء المنطقة، مثل الدمام والخبر والأحساء والجبيل والقطيف وبقية المناطق بلا استثناء»، مشيراً إلى أن «المدن الصناعية في الشرقية تضم اليوم أكثر من 1532مصنعا، يفوق عدد العمالة التي تعمل فيها 229 ألف عامل، وذلك بزيادة 8% مقارنة بالعام (2012)».

ولفت الزهراني إلى أن عدد المستثمرين الصناعيين في المنطقة في تزايد مستمر، ومشاريعهم تشهد توسعاً وتنامياً؛ بسبب الدعم الذي توفره الدولة من صندوق التنمية الصناعية، وهو ما جعل الإقبال على الأراضي الصناعية يشهد زيادة مضطردة. وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين: إن الصناعة هي الخيار الإستراتيجي للمملكة، وما لم تقم الحكومة بتنويع قاعدة الإنتاجات؛ فستواجه بمشكلات اقتصادية مستقبلا. أعتقد أن السعودية باتت تمتلك المواد الأولية التي يمكن أن تقوم عليها الصناعات التحويلية المختلفة، كما أنها تزخر بمعادن مختلفة يمكن أن تقوم عليها صناعات كبرى توازي في قيمتها الاقتصادية والتنموية قطاعات الإنتاج الحالية في قطاع البتروكيماويات. وإذا كانت الصناعة تمثل الخيار الإستراتيجي للمملكة، فمن باب أولى أن تكون الخيار الأول للمنطقة الشرقية؛ مركز الصناعات النفطية والبتروكيماوية. أجزم أن المنطقة الشرقية تمتلك المقومات الرئيسة لخلق قطاعات صناعية جديدة، ومتنوعة. يمكن لقطاع النفط أن يسهم في خلق فرص صناعية متنوعة؛ خاصة أن احتياجاته الرئيسة من قطع الغيار والأجهزة والمواد المصنعة تستورد من الخارج، وهناك أيضا محطات تحلية المياه وتوليد الطاقة، التي يمكن أن تتولد عنها صناعات داعمة لا يمكن حصرها.

وعن العلاقة بصناعة البتروكيماويات الأساسية، التي تتركز في الجبيل، يمكن إنشاء قطاع الصناعات التحويلية للوصول إلى المنتج الوسيط والنهائي، وبالتالي نخلق سوق محلية لاستهلاك البتروكيماويات الأساسية، بالإضافة إلى سوق المنتجات التحويلية. وصناعة الأجهزة الكهربائية قد تكون من الفرص المتاحة في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى الصناعات الأخرى ومنها صناعة السفن والسيارات ومنتجات الألمنيوم. وجود مدينتي الجبيل ورأس الخير الصناعيتين يمكن أن يدعم الصناعةالمزمع إنشاؤها في الأحساء، فيمكن أن نصل إلى منظومة صناعية متكاملة قادرة على تحقيق سلسلة الإنتاج في كثير من المنتجات.

وأشار البوعينين إلى أن الشرقية -وبشكل عام- في حاجة لإستراتيجية صناعية قادرة على استثمار مقومات النجاح وتحويلها الى مشروعات على ارض الواقع. وجود الإستراتيجية والحصول على الدعم الحكومي والاحتضان من قبل الشركات الكبرى التي تقع عليها مسؤولية كبرى في تطوير الصناعات التحويلية التي تعتمد على مخرجاتها وخلق صناعات توفر لها قطع الغيار وبعض احتياجاتها الصناعية. وبالرغم من وجود مدينتي الجبيل ورأس الخير الصناعيتين إلا أن المنطقة الشرقية في أمس الحاجة إلى مزيد من المدن الصناعية المتخصصة التي توفر البيئة المناسبة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتدعم الصناعات الخفيفة والمتوسطة، وهي صناعات لا يمكن خلقها دون الحصول على بيئة صناعية متكاملة، بل إنني أتمنى إنشاء مدن صناعية مصغرة بالقرب من قطاعات إنتاج النفط، ومحطات الطاقة والمصانع الرئيسة الكبرى تسهم في توفير بيئة صناعية حاضنة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تبرع في الإنتاج.

المصدر