ترتبط قضية السكن بشكل أساسي بالمقدرات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية للأسر، وتوفر السكن له تأثير قوي في مستوى جودة المعيشة والأمان المجتمعي وتعتمد النسبة الكبرى ممن يريدون شراء مساكنهم الحصول على التمويل إما عن طريق صندوق التنمية العقارية أو الاقتراض من البنوك وشركات التمويل التجارية.
ومع استمرار هذه القضية المتأزمة يدور هذه الأيام النقاش حول القروض السكنية وآليات التمويل وبالتحديد هناك ثلاثة أمور مستجدة تتعلق بهذا الجانب وهي:
– توقف صندوق التنمية العقارية عن التمويل وصرف الدفعات للمستحقين للقروض السكنية وهو الذي يعتبر الخيار الوحيد المحبب والمتاح لعموم المواطنين للحصول على تمويل سكني بقرضٍ حسن وبشروط ميسرة.
– القرض المعجل الذي ينوي الصندوق إطلاقه خلال الفترة المقبلة بصيغة المرابحة من خلال نسبة ربح ثابتة (2%) طيلة مدة القرض على أن يقوم الصندوق بالسداد للبنك خلال فترة سداد القرض على أن يقوم المقترض بعد استكمال سداد أصل القرض للبنك بسداد أرباح القرض للصندوق على شكل أقساط شهرية متساوية خلال مدة ٥ سنوات.
– قرار مؤسسة النقد حول استكمال التنسيق لبرنامج الرهن الميسر للتمويل العقاري السكني بحيث يقوم طالب التمويل بتوفير دفعة مقدمة بمقدار 15% من قيمة العقار السكني عوضاً عن الدفعة المحددة سابقاً 30% مع إتاحة الفرصة للبنوك لتمويل العقار بمقدار 70% من قيمته مقابل رهن المسكن حسب نظام الرهن العقاري، وتقديم تمويل إضافي بمقدار 15% مقابل ضمان من وزارة المالية ليصبح إجمالي التمويل البنكي للسكن 85%.
ومن خلال قراءتي لما يدور من نقاش حول تلك المواضيع فإنني أجد أن الحذر والتخوف لدى شريحة عظمى من راغبي التمويل والاقتراض بغرض الحصول على السكن يتركز في نسبة الفوائد الكبرى التي تستقطعها الحلول التمويلية المطروحة خصوصاً مع استمرار ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية المعروضة للبيع، وكذلك مقدار ماسيتم استقطاعه من إجمالي دخل المقترض التي تصل إلى 65% من إجمالي دخله، والقسط الشهري الذي سوف يستمر لسنوات طويلة، وسيشكل عبئا ثقيلاً على ميزانية الكثيرين.
مشكلتنا الكبرى في اعتقادي أننا نريد حلولاً خارقة ولا نريد أن نغير من حالنا وواقعنا المعايش فمن الضروري أن يتم التعامل مع قضية الإسكان بنظرة شاملة وليست أحادية الطرف فهناك مشكلات اقتصادية ومالية، وأخرى تشريعية وقانونية وهندسية وتخطيطية وعادات وثقافة مجتمع لا بد أن ينظر لها بعين الاعتبار جميعاً، ومن ثم علينا أن نستجلب الحلول ممن سبقونا في النجاح وهنا تحديداً يجب أن نستفيد من التجربة الكندية في معالجة قضية الإسكان من خلال تبني تجربة المؤسسة الكندية للإسكان والرهن العقاري التي عملت على تيسير الإسكان وجعله في متناول المواطنين وتبنت هدف توفير منزل لكل كندي، وقامت بتسهيل التمويل العقاري بشكل منخفض عن السوق (Low-Cost Funds)، وقامت بتبني عدة برامج لتمكين الحصول على المسكن من خلال تقديم برامج تمويل لمساعدات مباشرة لتحسين ظروف السكن لمحدودي الدخل وساكني المناطق النائية، وكذلك تقديم ضمانات للبنوك عن المواطن الذي لا يستطيع دفع 30% مقدما من قرض المنزل ضمن مشروع الضمان الإقراضي، وهذا ساعد 80% من الكنديين من الحصول على مساكن خاصة بهم، بالإضافة إلى تقديم برنامج التمويل منخفض التكاليف وهو برنامج يقدم قروضاً لمشروعات الإسكان وذات فائدة منخفضة بأقل من سعر السوق للجهات المطورة التي تقوم بتشييد وتقديم خدمات الإسكان الميسر للمواطنين.