التجربة السعودية للقضاء على الأحياء العشوائية

خاص: حديث العقار

 

اعتبرها البعض عرقلة للمسيرة التطويرية في السعودية، ووصفها البعض الآخر بأنها سرطان يجب استصاله قبل أن يتفشى ويصعب السيطرة عليه؛ إنها الأحياء العشوائية بالمملكة والتي صارت محط أنظار حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بعد أن انتشرت بشكل واسع خلال السنوات الماضية في عدد من المدن السعودية بسرعة هائلة.

 

تحدي للدول العربية

وقضية الأحياء العشوائية هذه ليست قضية سعودية فحسب بل هي قضية عالمية، إذ كشف تقرير دولي صادر عن الأمم المتحدة، عن ارتفاع إجمالي عدد سكان العشوائيات تقريبًا بنفس معدل نمو سكان الحضر خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وأن وضع العشوائيات يمثل تحدياً خاصاً في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب وغرب آسيا.

وأكد التقرير أنه حتى وإن أُحرِز الهدف الرامي إلى تحقيق تحسين كبير بحلول عام 2020 لمعيشة ما لا يقل عن 100 مليون نسمة من سكان العشوائيات، فإن هذا الرقم لا يمثل إلا 10 بالمائة من العدد المقدّر لسكان العشوائيات في العالم، الذي من المتوقع تضاعفه وفقاً لمعدلات التوسع الحالية ثلاث مرات ليصل إلى 3 بلايين نسمة بحلول عام  2050، وهذا التقرير يؤكد الواقع الخطر للعشوائيات على المستوى الدولي.

 

 سرطان في جسد المملكة

ورغم عدم تحديد التقرير لبلد بعينة متضرر أكثر من غيره، الإ أنه ألمح إلى نطاقات جغرافية من بينها غرب آسيا، الذي يضم المملكة العربية السعودية كأحد بلدانه، حيث لا تقل فداحة الأضرار، والآثار السلبية الناجمة عن تمدد سرطان العشوائيات في جسد المدينة السعودية الحديثة عن النماذج الدولية المماثلة.

 

مراحل لمواجهة التحدي

وبحسب الحكومة السعودية، فقد تم تحديد 3 مراحل، للتعامل مع ملف المناطق العشوائية، بدءًا من دراسة واقع تلك العشوائيات، وتحديدها طبقًا للمسح الجغرافي، مرورًا بطرحها على المستثمرين، قبل أن تدخل مرحلة معالجة أوضاعها عبر مجموعة مقاولين، بحيث يركز مشروع معالجة ملف المناطق العشوائية، في بداياته، على المدن الرئيسية حيث سيتم تحديد مواقعها على المخططات العامة للمحافظات والمدن، تمهيدًا لمعالجتها بما يحقق التنمية العمرانية المستدامة، ويتوافق مع الخطط التنموية للبلاد، ومع توجهات الإستراتيجية العمرانية الوطنية.

وبحسب مختصون فإن تطوير العشوائيات يتطلب تكلفة مالية عالية، بسبب طبيعة الإجراءات المطلوبة، مثل نزع الملكية، والتنظيم، وبناء شبكات الطرق والمرافق العامة، مع صعوبة تنفيذها وصيانتها.

وتتواجد العشوائيات غالبًا بالمواقع العمرانية المتهالكة القديمة داخل المدن، وتجمعات واضعي اليد التي تحتل أطراف المدن خارج المخططات العمرانية، والعشش والأكواخ أو ما يسمى بمدن الصناديق أو الصفيح التي تنتشر في الأحياء الحديثة والقديمة داخل المدن أو على أطرافها، وكذلك المناطق والأحياء التي نشأت داخل أو المدن خارجها من دون تخطيط مسبق وفي غيبة عن الأسس الفنية والنظامية المتبعة.

 

أسباب نشأة العشوائيات

وتخلو هذه العشوائيات من البنية الأساسية، والمرافق والخدمات العامة اللازمة للحياة الكريمة، ونشأت نتيجة الاختلالات الإدارية المتشابكة، كما أسهمت العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في خلق العشوائيات في مناطق أخرى مثل الكثافة السكانية، وتدني التعليم، وانخفاض معدل الدخل، وبحسب دراسات اعدها مركز التطوير الهندسي في المملكة فإن الخدمات في العشوائيات تتوزع بصورة عشوائية، ولا تخضع لأسس وضوابط ومعايير التخطيط العمراني، مع زيادة الاعتماد على خدمات المدينة، نتيجة لافتقار هذه المناطق للخدمات التعليمية، والصحية، والثقافية، وغيرها.

وتفتقر هذه العشوائيات إلى شبكات البنية الأساسية، مثل الصرف الصحي، وارتفاع نسبة «الكبريت» في المياه الجوفية المحيطة بها، نتيجة لعدم وجود مرافق عامة، كما أنها تعاني العشوائيات طبقاً للدراسات من خلل واضح في التركيبة السكانية، التي تتميز بالكثافة العالية، وتدني مستوى التعليم والدخل، وقلة الملاك، مع ارتفاع معدل البطالة والانحراف الاجتماعي والأخلاقي.

 

قنبلة موقوتة

وبحسب الباحثة الاجتماعية مريم الحربي فإن العشوائيات تعتبر قنبلة موقوتة لأنها تشمتل على جميع الأنماط السلبية والمتدنية في المجتمع أخلاقيًا واجتماعيًا، وهي النماذج المحرومة من الرعاية، ومن حقوقها في المأكل والمشرب والسكن والتعليم والصحة، وتعتبر بؤر شديدة التخلف على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، لارتفاع معدلات البطالة والأمية والكثافة السكانية بشكل كبير، كما أنها تفتقر لأبسط الحاجات الإنسانية.

وأفادت الحربي أنه بتطوير هذه المناطق سيتم خلق مجتمع أكثر تحضرًا، تسوده سلوكيات اجتماعية سليمة، وغير مهددة لاستقرار نمط الأسرة الممتدة فيها على المجتمع.

 

كيفية ادخال العشوائيات سوق الاستثمار

فيما عدد المهندس فيصل الفضل، عضو جمعية المهندسين السعوديين، واستشاري التخطيط العمراني، نشأة المناطق العشوائية إلى عدة أسباب، أهمها بناء مساكن باجتهادات فردية بعضها مرخص، والآخر غير مرخص، وعن المحاور اللازمة على الأمانات والبلديات أخدها فى الاعتبار للقضاء على هذه الظاهرة، أوضح أنها تتمثل في معالجة الأوضاع الأجتماعية والأقتصادية لسكان المناطق العشوائية، وادخال هذه المناطق في دائرة سوق الاستثمار العقاري، واقتراح أنظمة للبناء بما يضمن استثمارها بالشكل الأمثل، وتيسير حصول المواطنين المقيمين في العشوائيات على صكوك شرعية في حال بقائها على ما هي عليه بعد التطوير، وإيجاد الوسائل الكفيلة بالحد من إحداث عشوائيات جديدة، ودعم توجه إشراك القطاع الخاص في عملية التطوير، وكذا مراقبة الأراضي وإزالة التعديات للحد من العمران العشوائي.

 

العشوائيات في مكة المكرمة

وتنتشر الأحياء العشوائية في العديد من مناطق ومدن المملكة حيث يمثل النمو العشوائي في أحياء مكة المكرمة إشكالية كبيرة للجهات التطويرية التي تعمل منذ سنوات مضت على التخلص منها، واستبدالها بأخرى حضارية تتناسب مع المكانة التي تحظى بها العاصمة المقدسة من بين مدن العالم لذا فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتطويرها وتحويلها إلى مدينة متقدمة.

 

العشوائيات في جدة

أكدت دراسة بحثية أن 66 في المائة من البنايات في تلك المناطق رديئة تقع معظمها في المناطق المحيطة بالمنطقة المركزية للمدينة وبين منطقة البلد والمطار القديم وقصر خزام.

وأفادت الدراسة أن الأحياء العشوائية يقطن بها أكثر من مليون نسمة من سكان جدة أي ما يعادل الثلث ومن الأحياء العشوائية بجدة حي السبيل والنزلة والقريات والرويس

وكان الدكتور سامي بن ياسين برهمين، المتحدث بأسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة قدر عدد الأحياء العشوائية في كل من مكة المكرمة وجدة، والطائف بنحو 150 حي، منها 70 حي في مكة المكرمة، و60 حي في جدة، إضافة إلى نحو 20 حي عشوائي في الطائف، وجميعها تعاني من التهالك العمراني وانعدام المرافق العامة والخدمات، وقلة النفاذية، وطرق الربط بالنسيج العمراني بالمدن الرئيسية ، مشيراً إلى أن الأحياء العشوائية تمثل 25 في المائة من مساحة الكتلة العمرانية بالعاصمة المقدسة، وتبلغ مساحة عشوائيات جدة نحو 53 كلم، وتمثل 6 في المائة من الكتلة العمرانية لمحافظة جدة، في حين تبلغ مساحة عشوائيات الطائف نحو 400 كلم موزعة على قرى جنوب شرقي وشمال غربي مدينة الطائف.

سبعة عوامل وراء ظهور العشوائيات

كما كشف المشرف العام على كرسي الأمير خالد الفيصل لتطوير المناطق العشوائية رئيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة أم القرى الدكتور سمير فلمبان عن سبعة عوامل أدت إلى ظهور العشوائيات أبرزها، زيادة معدلات نمو السكان، وتدفق الهجرة إلى المدن الكبيرة، وارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء، وزيادة القيمة الإيجارية للمعروض من الإسكان، ورغبة الأهالي في سكن أبنائهم وأقاربهم بجوارهم، وتزايد عمليات الهجرة من المناطق النائية للمدن، وتقلص ومحدودية المساكن الاقتصادية.

فيما أوضح تقرير أعدته شركة المزايا القابضة، أن العشوائيات تتعدد أسبابها أبرزها عدم قيام المالكين بتطوير الأراضي التي يملكونها، وتخطيطها على أمل ارتفاع الطلب عليها، وبالتالي ارتفاع أسعارها، وتحقيق أرباح رأسمالية كبيرة، إضافة إلى انخفاض قيم التعويضات التي حصلوا عليها خلال علمية تطوير الطرق وتوسيعها وتوفير الخدمات الرئيسة، فيما انعكس دخول خدمة الكهرباء إلى بعض مواقع العشوائيات على زيادة الطلب على الأراضي ذات الأسعار المنخفضة، وكان لوفرة الأراضي غير المخططة والمجهولة الهوية تأثير في اتساع العشوائيات.

وأكد التقرير أن انتشار المباني العشوائية في مواقع كثيرة في المملكة بسبب عدم وجود مخططات تنظيمية لعدد كبير من المدن والقرى، كما كان للنمو السريع المسجل في معظم مدن المملكة، والذي رافقه نمو سكاني طبيعي وهجرة داخلية من القرى والبوادي باتجاه المدن الرئيسة، وعدم قدرة السلطات المحلية على مواجهة الزيادة السكانية الكبيرة والنقص في المساكن الشعبية الاقتصادية، دور كبير في توسع العشوائيات.

 

ظاهرة تتمدد

واعتبر التقرير أن العشوائيات ليست ظاهرة بل حقيقة تنمو وتتمدد في شكل دائم، وتشكل تحديات كبيرة للدول والحكومات وتعكس دائماً ضعف أنظمة الرقابة وعدم وجود مخططات معتمدة للمدن الرئيسة.

وأفاد التقرير بأن نحو 30 في المئة من السعوديين لا يملكون مسكنًا خاصًا بهم، فيما تصل أحيانًا نسبة السعوديين الذي يعيشون في مناطق العشوائيات إلى 37 في المئة، مطالبًا بألية للبحث عن حلول واقعية وعاجلة في وقت يفاقم المشكلة استمرار ارتفاع أسعار المساكن في شكل غير مبرر.

ورأى التقرير أن 85 في المئة من سكان المملكة، يعيشون في المدن الرئيسة، وتستحوذ مناطق مكة المكرمة والرياض والمنطقة الشرقية على 64 في المئة من السكان.

ولفت التقرير إلى أن المملكة تسعى إلى وضع حد لانتشار العشوائيات ببناء مزيد من مشاريع الإسكان وإعادة تأهيل المواقع القابلة للتطوير. كما انتهجت آليات منح الأراضي السكنية وتقديم القروض العقارية الطويلة الأجل من خلال صندوق التنمية العقاري.

 

تجربة فريدة ونموذج يحتذي به

فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” إلى تفعيل دور الأمم المتحدة في الساحة العالمية، والمسارعة للاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية في معالجة العشوائيات، ووضع الحلول التي من شأنها أن تحسن أوضاع العشوائيات في العالم بتفعيل البرامج الاجتماعية.

 

“مين بيحب مصر” تطالب بالاستفادة من السعودية

وطالب مؤسس حملة مين بيحب مصر الحسين حسان، بضرورة الاستفادة من تجربة السعودية في القضاء على العشوائيات، مشيرًا إلى أن المملكة استعانت بخبراء دوليين ودراسات بحثية للمساهمة في القضاء على العشوائيات في العاصمة، واستحداث مؤشرات قياس تطوير العشوائيات ودراسة الممارسات المحلية والعالمية في التعامل معها عن طريق البحث العلمي وتحليل الوضع الراهن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والعمراني لتلك المناطق.