ذهب مباشرة إلى الجذر اللغوي في ثلاثة حروف من كلمة “فكر”، ولكنه أبداً لم يخطئ في التوصيف والهدف والرؤية. ونعم، ومرة ثانية، كل أمراضنا الاجتماعية والتنموية هي أزمات “تفكير” مثلما هي خراج لثقافتنا الاجتماعية. أنا على سبيل المثال واحد من المحظوظين الذين عاشوا نعمة “الطفرتين” ولكن هذه الصدفة قد لا تنسحب على “مازن ومحمد وخلدون”، ومن الخطأ الفادح أن يكون مطلبهم هو الاستمرار في ذات النمط الحياتي الذي عشت فيه. دعونا من كل هذه المقدمة، وسنكتفي إلى نهاية المقال بكتابة النماذج والأمثلة: في الأنموذج الأول، تكتب هيلاري كلينتون، قصة انتقال العائلة الصغيرة من صخب البيت الأبيض إلى الحياة المستدامة في شقة صغيرة لا تزيد عن 180 مترا مربعا في حي “هارلم” الشهير بشمال مانهاتن، في ذات كتاب سيرتها الذاتية “تاريخ عشته” تتحدث عن دولة الرئيس الأميركي وعن السيدة الأولى، وفي العام الخامس من حياة البيت الأبيض وهما يذهبان بابنتهما الوحيدة “تشيلسي” إلى سكن جامعة “بيركلي” ثم يرتب الرئيس والسيدة الأولى غرفة الطالبة في مساحة ستة أمتار مربعة. في الأنموذج الثاني، يتحدث جورج بوش الأب عن ساعة صباحه الأولى بعد الاستيقاظ من النوم مع زوجته باربرا بوش: اتفقا على أن يتولى الزوج إعداد القهوة وأن تقوم الزوجة بإعادة ترتيب السرير. لم يشغلا ذهنيهما بقلق أسئلتنا وهمومنا اليومية: متى سنوقع إعادة استقدام العمالة من إندونيسيا ومتى سيفتح الاستقدام من تايلند وبورما؟ في الأنموذج الثالث: كنت في دبي بحر الأسبوع الماضي حين قرأت في صحيفة البيان استطلاعا يقول إن السعوديين هم أكبر جالية زائرة لدبي ولكنهم أقلها استخداما لشبكتي “المترو والترام” من بين 204 جنسيات في هذه المدينة. دعوني أتخيل أن السعودي يصرف في دبي مئتي درهم في اليوم لأجرة التاكسي بينما يستطيع أن يختصر هذا الرقم إلى سبعة دراهم بشرائه تذكرة لكل مواصلات دبي في اليوم الواحد. لدي عشرات البراهين والنماذج الأخرى التي لا تتسع لها المساحة وكلها تقول إن لدى السعودي أزمة “تفكير” وسامح الله وزير الإسكان لأنه اختصرها في أزمة “فكر”. وهنا سأختم: هاجس وخوف كل أب وأم سعودية في عالم اليوم ليس إلا أن أطفالهم لن يعيشوا غداً ذات نمط العيش وأساليبه، وهنا أتحدث عن الطبقة الوسطى في المجتمع، هذا الهاجس والخوف هو ترحيل لأمراضنا الاجتماعية إلى أجيال ستنشأ في ظروف ثقافية مختلفة. أنا في صف وزير الإسكان مع الفارق: أزمة تفكير.
15 نوفمبر 2015