الاقسام: عقار

الأراضي البيضاء .. دعوها للقطط والكلاب الضالة

الجهود القائمة لحل مشكلة الأراضي البيضاء ؛ تذكرني بمحاولات إحدى شركات البترول ومفاوضاتها مع مالك أرض مكتشف في باطنها كميات كبيرة من النفط، الذي أعماه الطمع أمام كل العروض المغرية المقدمة له، وكان جشعا للغاية وهو يشترط عدم تنازله عن الأرض إلا بمقابل مبلغ كبير جدا، لا يتناسب مع استراتيجية شركة البترول، مستغلا عدم وجود قانون نزع الملكية. أحد أعضاء اللجنة المشكلة من شركة البترول لمفاوضة صاحب الأرض طلب من رئيس الشركة أن يجري المحاولة الأخيرة، بشرط أن يذهب إليه بمفرده، وبالفعل ذهب إليه بعد موافقة الشركة، وابتدأ حديثه معه بالتعريف بمهنته وقال له: “أنا مهندس جيولوجي، أعرف باطن الأرض التي تملكها كما أعرف كل الطرق التي تؤدي إلى منزلي، وهناك أمر قد تجهله، وهو أننا بوسعنا كمهندسين جيولوجيين ومهندسي بترول أن نشتري الأرض التي بجوارك، وأن نحفر بئرا أعمق فيها، نستطيع من خلالها الاستفادة من كل النفط الذي في أرضك بشكل جيولوجي، وهو أمر قانوني، ولا تستطيع أن تفعل شيئا حينها، وستخسر لا محالة إذا ما رفعت قضية ضدنا في المحاكم، وأنا هنا فقط لأنبهك بأن زيارتي هذه هي المحاولة الأخيرة، إما أن توافق على العرض الأخير الذي قدمناه لك، أو أننا سنشتري الأرض المجاورة لك بسعر أقل بكثير من سعر أرضك، وحينها ستكون أنت الخاسر الوحيد” ابتسم صاحب الأرض بسخرية وقال: “محاولاتكم لشراء أرضي لن تنجح، وأسلوب الضغط هذا لا يجدي معي، والطريق الوحيد لأرضي هو دفع المبلغ الذي اشترطته عليكم”.
تركه المهندس الجيولوجي ورفع لرئيس الشركة بأن الخطة “أ” وهي المفاوضات مع مالك الأرض لم تنجح ويجب الانتقال إلى الخطة “ب”.
الخطة “ب” أقل تكلفة في حالة لو أنهم اشتروا الأرض بالقيمة التي اشترطها مالكها، إضافة إلى ذلك ستكون أقل هدرا للوقت الذي ضاع وسيضيع بسبب طول فترة المفاوضات، وتم تنفيذ الخطة “ب” بشراء الأرض المجاورة، وحفر الآبار، وتم بناء حقل بترول كامل متجاهلين كل التنازلات التي بدأ صاحب الأرض الأساسية تقديمها بعدما شاهد بأن التحذير الأخير لم يكن مجرد أسلوب للضغط عليه، بل خطة فعلية جارٍ تطبيقها بجوار أرضه التي لن تجدي نفعا بعد اليوم.
أصبحت أرضه بورا، ولا أحد يرغب في شراء أرض بجوار حقل نفط يعمها الضوضاء والتلوث، باعها فيما بعد بسعر بخس لنفس الشركة لتستخدمها كمواقف للسيارات، وإنشاء بعض المرافق الخدماتية للعاملين في المشروع.
القصة السابقة بغض النظر عن مدى مصداقيتها أو أنها من وحي خيال الشخص الذي التقيته في إحدى رحلات الطيران الطويلة، إلا أنها شبيهة بقصتنا مع أصحاب الأراضي البيضاء، ومحاولاتنا كمواطنين ووزارات وجهات حكومية لشراء أراضيهم للحاجة الماسة، إلا أن الطمع أعماهم وأصبحوا عقبة كبيرة أمام خطط وزارة الإسكان ومشاريعها.
الفارق الوحيد بينا وبين القصة أننا ما زلنا في الخطة “أّ” التي لم تنجح حتى الآن، ولذلك علينا أن ننتقل إلى الخطة “ب” كما فعلت شركة البترول، أن ننتقل إلى شراء الأراضي الشاسعة في أطراف المدن، ورغم حاجتها إلى عملية تأسيس الخدمات الأساسية كالطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي؛ إلا أنها ستحترم عامل الوقت، وستكون أسرع للخروج من أزمة السكن التي طالت بسبب جشع محتكري الأراضي، وعند نجاحنا في تنفيذ الخطة “ب” سيصبح مصيرهم مصير صاحب الأرض الذي رفض كل عروض شركة البترول، وسيأتي يوم ما يعرضون أراضيهم الفائضة عن حاجة السوق، ولا أحد يشتريها إلا عندما يصبح سعرها أرخص من الأراضي البعيدة أو مساوية لها على الأقل.
الأحياء الجديدة لو بنيناها خارج المدن ستكون أكثر هدوءا، وعامل المسافة بإمكاننا اختصاره، إذا نفذت وزارة المواصلات مشاريع نقل عامة سريعة منها وإلى المدن برسوم رمزية، يستطيع من خلالها الموظفون والطلاب الانتقال بكل سهولة ويسر.
لنفرض أنه تم تشريع فرض الرسوم على الأراضي البيضاء. فكم سنة ستمضي قبل أن نرى النتائج المرجوة من هذا التشريع الجديد؟!
المواطن السعودي مل الانتظار، ولعبة الوقت لم تعد من صالح أحد. أزمة السكن لم تعد تحتمل أكثر، يجب أن ننتقل فورا إلى الأراضي الشاسعة خارج المدن، ونترك الأراضي البيضاء داخل المدن لهم، وحينها ستكون مساحات زائدة عن الحاجة لا يلتفت إليها أحد، وقد نستخدمها كمساحات خضراء فيما بعد، أو مواقف، أو حتى نتركها كما هي. مسورة بالشبوك كمأوى للقطط والكلاب الضالة.

فهد عريشي

المصدر

نشر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020