الاقسام: عقار

الأثر الاقتصادي لضريبة الأراضي البيضاء

عبدالله بن ربيعان

حسم مجلس الوزراء السعودي في جلسته هذا الأسبوع برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، موضوع فرض الرسوم على «الأراضي البيضاء» (الأراضي غير المطوّرة) بتحويلها الى الدرس في مجلس الشورى، على أن ينهي مجلس الشورى المهمة خلال شهر ويعيدها إلى مجلس الوزراء لإقرارها. وقرار مجلس الوزراء أنهى جدلاً استمرّ خمس سنوات حول فرض الرسوم، ولا شك في أن غالبية المجتمع السعودي، خصوصاً الأفراد من ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة، صفقوا لهذا القرار الذي جاء في مثابة الكي آخر الدواء لحل أزمة طاول أثرها كل بيت سعودي، وبعدما أرسلت الحكومة رسائل مبطّنة وصريحة إلى كبار الملاك لفك احتكاراتهم، وأمهلتهم فرصة تلو أخرى من دون تحرك جاد من جانبهم. ولم تُقرّ رسوم أو ضريبة الأراضي البيضاء في السعودية لتكون جباية لدعم الموازنة، لكنها جاءت لإصلاح وضع السوق العقارية التي شوّهتها الاحتكارات، وجعلت تملّك ما يزيد عن 60 في المئة من السعوديين مساكنهم الخاصة أمراً شبه مستحيل.

تاريخياً، قامت كل الحروب بين إمبراطوريات العالم القديم على تملّك الأرض، وهو وضع استمر في العالم الغربي حتى أواخر القرن الثامن عشر تقريباً، كما كان الاستحواذ على الأراضي واحتكارها سبباً لنشوء الإقطاع وغياب العدالة الاجتماعية في هذه المجتمعات. أما في الدول العربية، فكثيراً ما كانت الأرض الشرارة الأولى لصراعات قبلية وعشائرية، وكذلك في السعودية قبل توحيد البلاد واستقرارها على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز.

لذلك، عالجت دول متقدمة كثيرة موضوع ملكية الأرض، الذي هو منشأ الخصومات والنزاعات وسبب للاحتكارات وغياب الإنتاجية، بأن حوّلت ملكية الأرض إلى حقوق انتفاع لا تملّك. وجاءت ضريبة الأراضي لمنع تحويل الأرض من مصدر للانتفاع وأحد أهم عناصر الإنتاج إلى وسيلة لادخار الأموال واكتنازها من دون فائدة تذكر للمجتمع.

اقتصادياً، تعتبر الأرض الوعاء المفضّل للضريبة لأنها لا تترافق مع ظاهرة «التشوّه الضريبي»، وما ينتج منها من «خسارة محضة» يتحمّلها المجتمع من دون مقابل. ولشرح المصطلحين نظرياً، لنفترض أن المجتمع ينتج 10 سيارات فقط، يبيع الواحدة منها بـ100 ألف ريال، فلو فرضت الحكومة ضريبة نسبتها 10 في المئة على السيارة الواحدة، فما الذي يحصل؟ يرتفع سعر السيارة ليكون 110 آلاف ريال، وهذا يؤدي إلى انخفاض الطلب على السيارات على سبيل الافتراض، إلى تسع سيارات فقط (وفق قانون الطلب الذي ينصّ على أن زيادة سعر السلعة تخفّض الطلب عليها).

وإن كان عائد الضريبة سيذهب إلى الحكومة لتمويل مشاريع أخرى، فلا يعتبر خسارة، إلا أن «الخسارة المحضة» التي يتحملها المجتمع من دون مقابل فهي تخلّيه عن إنتاج سيارة واستهلاكها، فهو أصبح ينتج تسعاً فقط ويستهلكها بعد الضريبة بدلاً من 10 قبلها، وهو ما يعني التأثير سلباً في رفاهية المجتمع الذي خسر استهلاك سيارة بعد الضريبة.

التحليل السابق لا يشمل الأرض، لأن عرضها ثابت، وبالتالي تستفيد الحكومة من عائد الضريبة المفروضة عليها، ولا ينقص استهلاك المجتمع شيئاً (لأن عرض الأرض ثابت لا ينقص) كما في حالة فرض الضريبة على السلع الأخرى غير الأرض. وهذا يعني أن أثر «التشوه الضريبي» و «الخسارة المحضة» للمجتمع لا يحصل في ضريبة الأرض.

ما هو السيناريو المتوقع اقتصادياً بعد فرض الضريبة؟ ستتحول الأرض إلى جمرة في أيدي المحتكرين، وسيضطرون سريعاً إلى بيعها أو تعميرها، ما يعني تحقق الهدف الذي فرضت الضريبة من أجله. ولأن المحتكرين حالياً لا يجدون من يشتري أراضيهم بالأسعار المشتعلة اليوم، فكل ما يقال عن قدرتهم على نقل الضريبة ليتحمّلها المشتري هو كلام لا يصح لأن المشتري لا يستطيع الشراء بأسعار اليوم، وسيستحيل عليه الشراء لو ارتفعت الأسعار بسبب الضريبة.

وكلما طالت فترة احتفاظ المحتكر بالأرض، زادت عليه قيمة الضريبة، ولو افترضنا أنها 10 في المئة من قيمة الأرض سنوياً، فستكون عليه 20 في المئة في السنة الثانية و30 في المئة للثالثة، وهكذا، وهو ما يجعله يسعى إلى بيع الأرض أو تطويرها وتعميرها، وهو هدف الضريبة التي لم تأتِ للجباية، وإنما لإصلاح تشوّه السوق. ويُتوقَّع قريباً، أن تخرج العروض الكبيرة إلى السوق سريعاً، ويبدأ التنافس بخفض الأسعار للتخلّص من ملايين الأمتار المجمدة حالياً، وهو ما يمكّن المواطن والمطوّر العقاري من الاستفادة، ويزيد عرض الأراضي والمنتجات الأخرى، ويخرج السوق من حال الركود الضارب بأطنابه فيها حالياً بسبب غلاء الأراضي.

ختاماً، ضريبة الأراضي البيضاء هي بداية الإصلاح الحقيقي لأزمة كبرى في الاقتصاد السعودي، ولا شك في أن هذا يوجب على مجلس الشورى وعلى واضعي قواعد تحصيل الضريبة، مسؤولية كبيرة لمنع التهرب والاستثناءات والتأجيل والمماطلة، فالمصلحة العامة هي ما يجب أن يُنظَر إليه من دون أي اعتبارات أخرى صغرت أو كبرت.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 23 أكتوبر 2015 10:34 ص

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020