الاقسام: عقار

إلى وزارة الإسكان ومجلس الشورى «2 من 2»

عبدالحميد العمري

أبتدئ في الجزء الثاني من المقال بما توصل إليه مجلس الشورى قبل أمس الإثنين، ونتائج تصويته على التوصيات المقدمة من لجنة الحج والإسكان والخدمات، حيث تلخصت فيما يلي:

(1) مطالبة وزارة الإسكان بتقديم خططها الزمنية والمكانية والعمرانية لتوفير المنتجات السكنية للمواطنين.

(2) مطالبة وزارة الإسكان بالتنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية والجهات المعنية بإعداد التصاميم العمرانية المرنة، لرفع الكثافة السكانية في المدن الرئيسة التي لا تتوافر فيها أراض مناسبة لمشروعات الإسكان.

(3) دعوة وزارة الإسكان لفصل قوائم الانتظار على بوابة وزارة الإسكان وتعجيل إقراض الراغبين في شراء وحدات سكنية من القطاع الخاص، ودعم البند المخصص لذلك من المبالغ المعتمدة.

(4) دعوة وزارة الإسكان لمعالجة نقص كوادرها البشرية، وإشغال الوظائف الشاغرة لديها، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير الخبرات التخصصية التي تحتاج إليها.

(5) تصويت المجلس بعدم الموافقة على توصية إضافية تطالب وزارة الإسكان بعقد شراكات مع الأجهزة الحكومية، لتأمين مساكن مناسبة لمنسوبيها، بحيث تتولى وزارة الإسكان إعداد القواعد والسياسات المنظمة لمنح الأجهزة الحكومية الأراضي، وتنسيق التمويل المناسب لها. وبررت لجنة الحج والإسكان والخدمات عدم موافقتها بعدد من التبريرات:

(أ) أن الأسلوب المتبع حاليا في توحيد الدعم السكني أكثر مهنية وعملية من المقترح.

(ب) أن الأصل في تأمين المساكن من الأجهزة الحكومية لمنسوبيها مرتبط بمدة عملهم لديها، وأن تأمين مساكن للتملك مرهق ماليا ويتطلب مساحات شاسعة.

(ج) أن التوصية بهذا المفهوم تجعل من توفير المسكن جزءا من استحقاق الوظيفة، ولا يمكن استبعاد من يملكون مساكن مقابل منحه لآخرين لا يملكون مسكنا رغم عملهم في المستوى الوظيفي.

(د) لا تتوافر لدى أغلب الأجهزة الحكومية أراض كافية، بل تعاني نقصا في احتياجاتها منها لمشاريعها الخدمية فضلا عن توافرها لمشاريع إسكانية.

(ه) أخيرا، تعد وزارة المالية المصدر الوحيد لتمويل مشروعات الإسكان المقترحة للجهات الحكومية، وعليه فتخصيص التمويل للأكثر حاجة ممن لا يملكون مسكنا أفضل من توزيعه على الجهات الحكومية فيصبح متاحا للأقل استحقاقا أو غير المستحق أصلا.

بالنسبة للتوصية الخامسة “عدم الموافقة على توصية إضافية تطالب وزارة الإسكان بعقد شراكات مع الأجهزة الحكومية، لتأمين مساكن مناسبة لمنسوبيها”، والمبررات التي أوردتها اللجنة الشورية للرفض، فلأهميتها سيتم تخصيص المقال القادم حولها، مع التذكير بأن هذه التوصية بالرفض تتعارض في مضمونها مع الأمر الملكي الكريم رقم أ/70 وتاريخ 1432/4/13هـ الذي نص على أربعة بنود، من أهمها ما ورد في البندين الأول والثاني، حيث نص البند الأول على قيام وزارة المالية وبشكل عاجل بمناقشة الجهات العسكرية بشأن أي حقوق أو التزامات مالية لمنسوبيها، والتأكد من صرفها. ونص البند الثاني على قيام الجهات العسكرية كل على حدة بمناقشة احتياجاتها لإسكان منسوبيها مع وزارة المالية.

أعود إلى مناقشة رؤى كل من وزارة الإسكان ومجلس الشورى تجاه أزمة الإسكان، مبلورا إياها طوال الأعوام الأخيرة، وصولا إلى آخر ما صدر عنهما من تصريحات وتوصيات، للاختصار على القارئ الكريم؛ أنها جميعها دون استثناء انصبت وتركزت على جانب الطلب “طلب الأفراد للمساكن”، مقابل عدم التطرق إلى جانب العرض، وما يعانيه من تشوهات جسيمة، في مقدمتها سيطرة الاحتكار والمضاربات على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات والمراكز، التي يشكل مجموعها أعلى من 51.0 في المائة من مساحات التخطيط الحضري للمدن الرئيسة في المملكة، يستحوذ الاحتكار والاكتناز وعدم التطوير على تسعة أعشار تلك الأراضي الشاسعة المساحات، مقابل استحواذ المضاربات وتدوير الأموال على عشر تلك المساحات، وتسببه المباشر في زيادة تضخم أسعار الأراضي، وانتقال أثره التضخمي إلى تضخيم الأسعار السوقية للأراضي البيضاء المحتكرة والمكتنزة، زاد بدوره في رغبة ملاكها في الامتناع عن تطويرها وإحيائها مقابل ارتفاع أثمانها بوتيرة متسارعة دون بذل أي جهد يُذكر، ودون تحملهم أي تكلفة تذكر! ولم يقف هذا التمدد التضخمي المخيف عند حدود تلك الأراضي، بل امتد إلى بقية الأصول العقارية باختلاف أنواعها ومواقعها، لترتفع على أثره أثمانها السوقية، وتكلفة إيجاراتها السكني والتجاري على حد سواء، تسبب بدوره في زيادة ارتفاع تكلفة المعيشة بوتيرة غير مسبوقة، لم تفلح في مواجهتها زيادة أجور ورواتب وبدلات المواطنين، وزاد الأمر سوءا بارتفاع أكبر في تكاليف الإنتاج والتشغيل بالنسبة لمنشآت القطاع الخاص، انعكس أثره مباشرة على ارتفاع أسعار بيع السلع والخدمات دون استثناء على المجتمع الاستهلاكي المحلي، وفاقم بصورة أكبر من تكاليف المعيشة على كاهل الأفراد، ودخول الاقتصاد والمجتمع في حلقة مفرغة من التضخم طوال العقد الزمني الماضي!

حينما تأتي حلول وتوصيات كل من وزارة الإسكان ومجلس الشورى، التي تستهدف تعزيز جانب واحد فقط “الطلب”، على حساب تهميش الجانب الآخر المقابل “العرض”، المتمثل في زيادة وتنويع خيارات إقراض وتمويل المواطنين لأجل تملك الأراضي والمساكن، والقبول بوجود كل تلك التشوهات الجسيمة في جانب العرض المشار إليها أعلاه! هل يمكن التنبؤ أو التوقع ولو بنسبة واحد في المائة، أن أزمة الإسكان المحلية قد ترى بصيصا من الانفراج والحل؟! واقع الحال على الأرض ينفي تماما نجاح النسبة الأدنى منه، مهما وصل إليه سقف توقعات وتوصيات الوزارة والمجلس على حد سواء، وذلك لسبب جوهري واضح؛ أن الأساس الأول والرئيس وراء تفاقم أزمة الإسكان محليا، لم يمسسه مثقال ذرة من سكين جراحة فاعلة، أو حتى علاج ناجع، العلاج النافذ الوحيد الذي تم تقديمه حتى تاريخه هو فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، إلا أن آلياته لم تصدر إلى الآن! عدا ذلك لم يتجاوز الدوران المستمر حول دائرة أزمة الإسكان دون الدخول خطوة واحدة من قريب أو بعيد إلى مركز هذه الدائرة أو الأزمة!

ما سيحدث؛ أن عجز أغلب الأفراد عن تملك مساكنهم سيمتد زمنه، ولكن سيرافقه ازدياد أعداد العاجزين، في المقابل ستبقى أسعار الأراضي والعقارات متماسكة، وحتى إن تراجعت بنسب طفيفة، فإنها ستظل بعيدة المنال عن قدرة الأفراد لا من حيث الدخل، ولا من حيث القدرة الائتمانية، ولن يفك هذا الاختناق والاحتقان الناشئ من أزمة الإسكان سوى بدء التطبيق الفعلي للرسوم على الأراضي، بصورة شاملة وصارمة تحقق الهدف المنشود، المتمثل في فك يد احتكار الأراضي بتلك المساحات الشاسعة، ويحجم من وتيرة المضاربات الهائلة على الجزء اليسير المحرر منها، لتظهر النتائج المؤدية فعليا لإنهاء فصول هذه الأزمة التنموية الكأداء، المتمثلة في انخفاض الأسعار المتضخمة جدا بصورة تعيدها إلى مستوياتها العادلة والمقبولة! عدا ذلك سنظل جميعا ندور وندور لسنوات طوال حول دائرة الأزمة، التي سيتسع قطرها بصورة أكبر وأخطر. والله ولي التوفيق.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 7 أكتوبر 2015 10:37 ص

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020