أرض سكن المواطن .. بتحليل «سوات»

تناول كثير من المهتمين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي ظاهرة أزمة تملك سكن للمواطن. الحديث عنها أصبح مملا وكأننا ننفخ في بالون مثقوب، وأصبحت كأنها لغز عجز المسؤولون عن تفكيكه ووضع الحلول، لكني هنا سأتناول هذه الظاهرة من منظور آخر وبأداة تخطيط وتحليل استراتيجية أساسها عسكري واستخدمت ضمن أدوات تخطيط في الحروب وهي ما يسمى بتحليل “سوات” SWOT أو التحليل الرباعي في قطاع المال والأعمال.

كل حرف من حروف هذه الأداة تعني مصطلحا، وتصف وتشخص مشكلة ما والظروف المحيطة بها من منظومة متكاملة داخليا وخارجيا مكونة ومؤثرة فيها، وتعني هذه الحروف الرباعية لهذه الأزمة: نقاط القوة، نقاط الضعف، كعوامل داخلية، ثم الفرص المتاحة الممكن العمل عليها، وأخيرا التهديدات أو المخاطر المحيطة بها والتي يجب تجنبها أو أخذها بجدية عند خطة الحل كعوامل خارجية. يعد هذا التحليل الرباعي أسلوبا عمليا ومركزا جدا، ونجاحه يعتمد على دقة وسرد حقائقه بكل مكون له.

هنا سأحاول سرد وطرح هذه الرباعية لهذه الأزمة، وكل مواطن يعرفها لكنها مرتبة هنا كمنظومة ودليل مهني استرشادي لصانع القرار لعلها تضع النقاط على الحروف:

1. نقاط القوة:

– ميزانيات ضخمة معتمدة لحل هذه الأزمة تجاوزت 250 مليار ريال، سواء لقروض أو تطوير مخططات أراض حكومية.

– توافر أراض شاسعة وضخمة في محيط المملكة وأراض مستردة مصرح بها تقارب ملياري متر مربع لعام 2014.

2. نقاط الضعف:

– غياب تعاون عمل الفريق الواحد بين كل جهة حكومية مرتبطة بهذا الملف.

– عدم وجود البدائل اللائقة التي توافق ذوق المواطن وتناقص دخله وتركيز على خلق منتجات لا تتطابق مع ظروف المواطن.

– عدم إشراك المواطن ودراسة ظروفه عند خلق المنتجات.

– ضعف تقديم مؤسسات حكومية مجمعات سكنية لموظفيها.

– ضعف توافر أنظمة بناء تقنية جديدة تساهم في خفض التكلفة.

– ضعف خدمات النقل المساعدة على بناء مدن نموذجية خارج النطاق.

3. الفرص المتاحة: وهي العمل على نقاط القوة ومعالجة الضعف:

– عدم المساس بهذه الميزانيات المعتمدة وصرفها فورا.

– استغلال الأراضي المتاحة والمستردة وتخطيطها هذا إن كانت صحيحة.

– تنفيذ المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى لمجمعات سكنية لموظفيها.

– استيراد وجلب تقنيات بناء جديدة تساهم في خفض التكلفة، وخصوصا تقنية الأبنية الخضراء.

– إعادة هيكيلة وتحديث أنظمة البلديات وفق مواصفات ومعايير هذه التقنية الجديدة.

4. التهديدات ومخاطرالتنفيذ وفق أعلاه:

– الاحتكارات الخاصة لمنتج الأرض ومراقبة أسعارالمقاولات ومواد البناء.

– تنامي أرقام قروض الأفراد الاستهلاكية بشكل مخيف تجاوزت 625 مليار ريال لعام 2014 ونصف العام الحالي 2015 معظمها على فترات سداد تتجاوز ثلاث سنوات.

– معدلات نمو سكاني تراكم فيه حجم الطلب المستقبلي لطالب القروض من الصندوق العقاري مقابل نقص منتج العرض الذي يمثل الأرض، ولا شيء غير الأرض “اللائقة”.

– استمرار هذه الأزمة بهذا الشكل يعد تهديدا سياسيا داخليا واقتصاديا واجتماعيا، وستطول آثاره أجيالا وستعوق تحقيق معظم خططنا التنموية الخمسية.

هذا ببساطة شديدة ووضوح تام تقييم مهني لهذه الظاهرة، ووفق رؤيتي الشخصية أنها من إنتاج الأنظمة وتخبطات مسؤولين تحكم فيهم أسلوب العمل والفزعات المنفردة رغم اهتمام وتأكيد وقدرة الدولة على حل هذه الأزمة التي طالت شريحة كبرى من المواطنين، وأصبحت قلقا يؤرق مضاجعهم ومستقبلهم، وأحسب نفسي أتحدث هنا نيابة عنهم لكن بتحليل وطريقة إدارية مهنية.

هذا التحليل العسكري الأصل والاستراتيجية الشائع استخدامها في الواقع العملي ومعها الحلول تتطلب شرطا رئيسا لتحقيقه، وهو الجدية والواقعية ولا شيء غير ذلك في تمكين المواطن من حلم تملكه بيت العمر واستقراره، بعيدا عن هدر للمال ببرامج لا تأخذ هذه المعطيات بجدية وتهملها ولا تحتسب للوقت تكلفة، وبعيدا عن تحكم فئات معينة في المجتمع تبحث فقط عن مصالحها بشكل أضر الوطن، ويأمل كل مواطن ينتظر أن يكون هذا الطرح جزءا من استراتيجية عاصفة حزم داخلية ومطلوبة بأولوية قصوى هنا. أتمنى أن أكون وفقت في هذا الطرح، والله خير موفق.