لا يقتنع المنعشون العقاريون والمقاولون والمستثمرون في قطاع البناء والسكن بأي شخص يروج بضاعتهم ويعرضها كما اتفق على الناس، بل بوكلاء تسويق من النوع الحار الذين يبيعون السمك في البحر، ويضعون الهواء في علب صغيرة، ثم يقنعون الزبون بشرائه وهو مغمض الـــــعينين.
ويتوقف نجاح، أو فشل عدد من المشاريع العقارية على المؤهلات الخاصة لمجموعات من الشباب ببذلات وربطات عنق أنيقة، هم بالضبط من تجدهم وراء مكاتب البيع المنتشرة قرب الأوراش والمشاريع السكنية، أو في عناوين محددة وسط المدن، إذ تكون مهمتهم الوحيدة إقناع أي شخص تطأ قدماه المكتب بالتوقيع على عقد أولي للبيع، والالتزام بوضع قسط من المال على سبيل التسبيق.
مثل هؤلاء الخبراء في اصطياد الزبناء وغسل أدمغتهم قليلون في السوق، ومعروفون بالأسماء والصفات والعناوين والسير الذاتية والتجارب والغزوات لدى مديري التسويق في الشركات الكبرى ويطلبونهم للالتحاق بمكاتبهم مقابل رواتب شهرية مغرية، وأساسا عمولات ونسب من قيمة بيع المنتج (شقق/بقع أرضية/تجزئات).
ويتوفر وكلاء التسويق الأكفاء على حاسة سادسة غير عادية تمكنهم من معرفة الزبون ورغباته ووضعيته المالية والاجتماعية ونقاط ضعفه وقوته، بمجرد أن يجري اتصالا لطلب موعد، أو يدخل مكتب بيع رغبة في طلب معلومات عن مشروع عقاري ما.
ويوجد هؤلاء في حالة توثب على مدار الدقائق التي تستغرقها المقابلة الأولى مع الزبون (فرد، أو أسرة متكونة من زوج زوجة وأبناء….)، وتأهب منقطع النظير ولالتقاط التفاصيل الصغيرة ضمن المعلومات التي يدلي بها الزبون، وهي التفاصيل التي تخزن بطريقة أوتوماتيكية في الدماغ وتحلل بسرعة من أجل اقتراح الحل، أو الوصفة، إذا كان الزبون يشكو صعوبة في التمويل، أو عسرا في الحصول على قرض بنكي.
بالنسبة إلى وكلاء التسويق، كل وافد على مكتب بيع، هو مشروع مشتري جديد عليهم أن يبذلوا أقصى ما يتوفرون عليه من فنون «الفهلوة» والإقناع لتسجيل اسمه ضمن لائحة المستفيدين، مع الحرص على أخذ ضمانات عينية على ذلك، من قبيل وضع تسبيق مقابل الحجز رغم افتقاره لسند قانوني، والتوقيع على مجموعة من الوثائق الأولية، ضمنها وعد بالبيع إلى حين انتهاء بناء شقة، أو إجراء تقسيم لعقار، أو وضع أساسات تجزئة سكنية.
ويحرص منعشون عقاريون أن يشتغلوا مع وكلاء بذكاء حاد، لهم القدرة على المزاوجة بين مصلحة صاحب الشركة (الترويج لمنتج وإقناع الزبون به من أجل شرائه)، ثم المصلحة الشخصية، حين يتحول عقار إلى فرصة ذهبية بالنسبة إلى الوكيل.
ويشرح مدير تسويق في شركة عقارية بمراكش، كيف راكم وكلاء مبالغ طائلة طوال مسارهم المهني، وحسنوا كثيرا موقعهم الاجتماعي، بعد أن فهموا أن الأساسي ليس هو بيع منتوج عقاري، بل التقييم الجيد لهذا المنتوج واختيار الزبون المناسب المستعد لدفع عمولات إضافية على سبيل الهدية للظفر بشقة مطلة على حديقة، أو منزل في طابق معين، أو شقة للسكن الاجتماعي بأمتار زائدة عن القياسات المعروفة، أو محل تجاري في شارع يعج بالحركة، أو قطعة أرضية في موقع مميز…
هنا بالضبط، يشعر الوكيل أنه يشتغل لحسابه الخاص، وكلما كان العرض مغريا، كلما تدفقت عليه العمولات من فوق وتحت الطاولة..وبطيعة الحال «الساعة بخمسة جنيه والحسابة تحسب»، على حد قول الكبير عادل إمام في فيلم «عنتر شايل سيفه».