بين ابتسامة وزير الإسكان ماجد الحقيل و إصرار مذيع قناة “خليجية” عبدالله المديفر على طريقته الاستعراضية في طرح الاسئلة والموضوعات، عشت لحظات من التأمل الهادئ لحالة بدت لي لافتة ومثيرة.
مذيع تتلقفه الأسئلة، فيطرحها بأسلوب يتجاوز المعتاد، ووزير يتعامل مع الأمور بهدوء فيجيب على ما يستحق بهدوء، وعلى ما يدخل في “باب الادعاء” بابتسامة تعبر عن دهشته من إصرار مقدم البرنامج على جر اللقاء إلى أجواء الإثارة، بدلًا من الاستفادة به في الحديث عما ينفع الناس.. وما أكثرهم!.
بدا المديفر طوال الحلقة، وكأنه لم يستفد من نصائح بعض ضيوفه السابقين، الذين اتهموه علانية بإهدار جهده في فراغ الأسئلة البائسة والخروج بهم من مناطق الجد التي حضروا لأجلها، إلى دوائر جدل صنعها بنفسه لمجرد إثبات تفوقه الخطابي، مضيعًا على متابعيه فوزًا حقيقيًا يتلخص في الحصول على إجابة لسؤال يشغلهم أو قضية تؤرقهم، أو حتى معلومة يبحثون عن صحتها.
نعم؛ لا زال الرجل مصرًا على منهجه، حتى أنني لم أر فارقًا في أدائه خلال استضافته لوزير الإسكان، بما فعله يوم استضاف الإعلامي المصري عماد الدين أديب وضغط عليه بأسئلة هشة، حتى أضطره للخروج عن هدوئه المعهود، ليعيد على مسامعه أبجديات العمل الإعلامي، طالبًا منه أن يغير طريقته، قبل أن يضل الطريق.
منذ بداية تلك الحلقة، وضح على عماد الدين أديب أنه مستفز بسبب نوع الأسئلة وطريقة المديفر في إدارة الحوار، ومع النهاية لم يجد الرجل أمامه حلًا سوى توجيه نصيحة جارحة، تضمنت نقدًا حادًا لمضيفه، إذ قال له بوضوح :”ممكن انصحك نصيحة ما تسألش (لا تسأل)السؤال وانت عارف من الأول انه مش صح ( غير صحيح) لأنه حرام انك تسأله و الإجابة معروفة”، ثم زاد أديب على ذلك ، فقال :”أرجوك لا تقولني مالم أقله ..لقد أضعت الحلقة في أسئلة هدفها الإثارة”.
غير أن وزير الإسكان، كان أكثر تحملًا، إذ أنه استمع بكل هدوء لأسئلة المديفر، و اكتفى – حين زاد الأمر عن حدود الموضوعية – بإبداء دهشته ، خاصة من طرح اسئلة لا ظل لها في الواقع، إلى أن أصر المديفر على المكابرة، فقال له بكل هدوء:” لقد فتحنا لك أبواب الوزارة واطلعت بنفسك على المعلومات الصحيحة!!”، فكان ذلك بمثابة الوخزة التي أسقطت كل محاولات الإثارة على مرأى من المشاهدين، وفي جزء آخر من الحوار وبعد أن قرأ المديفر ورقة في يده عن القرار 82 والذي يستند عليه المطالبين بالقرض من الصندوق العقاري وكان يهدف من قراءة هذا القرار الضغط على الوزير ومحاصرته قال له الوزير و” هل لديك بقية النظام ” فبهت المديفر مجددا.
أعلم شخصيًا ، كما كثير من المتابعين لملف الإسكان، أن المديفر دخل الوزارة والتقى عددًا من مسؤوليها ، كما استمع وشاهد واستوعب مدى التغيير الذي قاده الوزير بنفسه لصالح الوطن والمواطن وفقا لتوجيهات الدولة، وكان من شواهده ظهور العديد من البرامج والأنظمة والآليات الخاصة بالتعامل مع ملف الإسكان . أما النتائج، فيدرك المديفر قيمتها، بعد أن لمسها واقعًا يستفيد منه الجميع.
أعلم أيضًا أن ما أنجزه الوزير، خلال السنوات الأخيرة ، هو مجرد مقدمة لخطوات أكبر على طريق حل مشكلة السكن، المعقدة بحكم التراكم، وهو في ذلك لا يعمل بمفرده أو في فراغ، وإنما في إطار مشروع شامل تتبناه الدولة لتلبية احتياجات المواطنين وفق رؤية 2030، غير أن المديفر، الذي يعرف كل ذلك سواء بحكم الاطلاع المباشر أو بأثر ما يراه عمليًا، أصر – وهو أمام الكاميرا – على خصام الحقائق الزاهية، لا لشيء إلا لأنها تفقده القدرة على صنع أجواء الإثارة ..حرفته المعتادة.
والحق أن إعجابي بهدوء الوزير، قابله مزيج من الاستياء والانزعاج من طريقة المديفر في إدارة الحوار..
يعود الاستياء إلى أن هذه الطريقة في التناول والمعالجة ومخاطبة المشاهدين، تتناقض مع ما أتصوره إعلامًا يليق بوطننا ويستطيع أن يواكب أساليب العصر، لا استنساخ تجارب الصوت العالي، التي ارتبطت في الوعي العربي بأسماء وقنوات، كانت مهمتها الرئيسة هي التحريض والتشكيك والهدم، مستهدفة بالأساس المسلمات والثوابت التاريخية والسياسية، لمجتمعاتنا ودولنا، نحن نستحق إعلامًا موضوعيًا، رصينًا، رزينًا، عارفًا حدوده ومهمته.
أما الانزعاج، فسببه أن بعض إعلامينا يعملون، بدلا من أن يكونوا ذراعا اعلاميا لخطط الدولة وأهدافها، كأداة هدم واحباط وتشويش لمجرد أن يحققوا لبرامجهم أكبر عدد من المتابعين سواء عند بثها تليفزيونيًا أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
زاد من هذا الانزعاج أن هناك من روج لبرنامج ” في الصورة” فأخذوا من لقاء الوزير مقاطع مجتزئة لينشروها بين الناس لتحقيق أكبر قدر من التسويق للمذيع ، فكانت النتيجة أن أساءت للضيف، رغم أنها لا تعبر عن حقيقة ما حدث أمام الكاميرات.
بدا المديفر في تلك المقاطع وكأنه يحاصر الوزير الحقيل، ولم يكن ذلك صحيحًا، إذ أظهرت تفاصيل الحلقة أن الوزير كان في قمة حضوره، فلم يترك سؤالًا إلا وأجاب عليه بوضوح وشمول، بما في ذلك ما بدا في المقاطع المجتزئة مثيًرا ومحرجًا، والأهم أن الوزير تمكن في كل مرة ، وبالدليل، من إظهار الطابع الانتقائي للأسئلة المطروحة عليه.
والحق أن طريقة الوزير في الرد على تلك الأسئلة خففت كثيرًا من انزعاجي، ذلك أن وجود مسؤولين بهذا القدر من الوضوح والثقة والقدرة على عرض الحقائق بسلاسة وموضوعية وشمول، يمثل – في تقديري المتواضع – أنسب وسيلة لحصار هذا النمط الإعلامي الضار وحماية وطننا من شروره.