لا أعلم متى يمكن أن نرى وزارة الإسكان تقوم بدورها بتسهيل الحصول على سكن للمواطن. في البداية يمكن أن أشير إلى الإحصاءات المبعثرة التي تظهر أحياناً حول نسبة امتلاك المواطنين السعوديين لسكن خاص وأنا هنا أؤكد أن الوزارة لم تجرِ أي مسح يبين نسبة امتلاك المساكن، كما أنها لم تجرِ أي دراسة حول المستحقين لدعم الوزارة. وهذا السلوك غير المعلوماتي (أي الذي لا يعتمد على جمع المعلومات من مصادرها الصحيحة) الذي تتبعه الوزارة في قراراتها ووضع استراتيجياتها، يجعلنا نتخوف من أي مبادرة تقوم بها الوزارة.
الغريب أن الوزارة مازالت تعمل على إستراتيجية جديدة ستطلقها قريباً، وهذا ما ذكره الوزير الأستاذ ماجد الحقيل، والأكثر غرابة أن الوزارة نسيت كل الاستراتيجيات السابقة لكنها لم تنسَ أن تعمل بشكل منفرد، فقد سألت وزير الاسكان شخصياً عن استراتيجية الإسكان الجديدة فقال لي أنتظر وسترى، وآمل أن لا ننتظر كثيراً رغم أنني غير مقتنع بأي إستراتيجية لا تقوم على مسوحات ميدانية علمية ولا تعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة السعودية، أي أننا موعودون باستراتيجية “متخيلة” مصنوعة في غرفة مكتبية مغلقة.
الجديد في وزارة الإسكان هو تحولها إلى مسوق عقاري، وهذا ما فهمته تقريباً من أحاديث الوزير المتعددة، ولا بد أن أقول هنا أنني غير متفائل أبداً بما تقوم به الوزارة وتقريباً فقدت الاهتمام باستراتيجيات الوزارة لولا أحاديث متفرقة جمعتني بالوزير مؤخراً جعلتني أفكر مرة أخرى في مستقبل الإسكان بشكل عام في المملكة. الوزارة أطلقت عدة مبادرات منها مبادرة (وافي) وهي البيع على الخارطة من خلال مطورين عقاريين، وطبعاً لن أخوض في تفاصيل هذه المبادرة، فيكفي توجهاتها، لكن شعوري وأنا أبحث عن المبادرة أنني أتعامل مع شركة عقارية وليست وزارة إسكان تهدف إلى توفير إسكان عام يساهم في حل أزمة تهدد استقرار المجتمع السعودي.
وليتنا توقفنا عند مبادرة (وافي)، فمما زاد الطين بلة هو أنني سمعت أن الوزارة تفكر ضمن إستراتيجيتها، التي لم يفصح عنها الوزير وطلب منا الانتظار لأنها ستكون مفاجأة، أن تنشئ مركزاً للتطوير العقاري أو شيئاً يشبه ذلك وطبعاً من خلال الاعتماد على مطورين عقاريين. وقد قرأت ذلك في الموقع التجريبي للوزارة من خلال مبادرة (إتمام) وهو مركز خدمات المطورين مهمته الرئيسية تذليل العقبات التي تواجه المطور العقاري، وقد كنت أتوقع أن يكون هدف المبادرة هو تذليل العقبات أمام المواطن للحصول على سكن.
نحن نعيش النقيض في الوقت الراهن، فالوزير السابق كان يرفض التعامل مع المطورين العقاريين، ولم نعرف لماذا كان الرفض، والوزير الحالي شرع أبواب الوزارة للمطورين ولم نعرف كذلك لماذا، فالمواطن آخر من يعلم أو لا يحق له أن يعلم، رغم أن النتائج النهائية تمسه وتمس حياته وحياة أسرته. الإشكالية. إن الخطط السابقة فشلت ولم يتم محاسبة أحد، وخسرنا فرصة تاريخية سانحة لحل مشكلة تهدد الاستقرار المستقبلي، لأنه من المعروف أن السكن هو أحد أركان الاستقرار الاجتماعي وله تأثير عميق على التنمية بشكل عام، وأنا هنا أطرح سؤالاً مباشراً كيف لوزارة الإسكان أن تحقق طموحات رؤية المملكة 2030.
لن أتحدث عن خطط ورؤى للإسكان فقد ذكرتها في مقالات سابقة نُشرت في هذه الصحيفة، فالعبرة ليست في طرح الأفكار لكن في التنفيذ، ومن الواضح أن الوزارة مستمرة بنفس الأسلوب الذي يبتعد عن مفهوم التعامل مع الإسكان كعنصر للاستقرار والتنمية إلى التعامل مع المشكلة كفرصة عقارية.
فهل الدولة تفكر في التعامل مع الإسكان كمورد اقتصادي أو كمحرك اقتصادي؟ الفرق هنا كبير لأن السكن هو جزء من التزامات الدولة للمواطن الذي بحاجة إلى سكن، وهذا المعيار لم يدرس بعد ولا نعرف من يستحق ومن لا يستحق. كما أن السكن هو مصدر إنفاق لكنه يساهم بشكل غير مباشر في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني ويفترض أنه يساهم في توفير الوظائف للمواطنين، وهذا أصلاً غير مفكر فيه ولم يخطر ببال الوزارة الا مؤخراً وعلى الورق حتى الآن.
من الواضح أن وزارة الإسكان لا تعرف ماذا تريد بالضبط ويبدو أنها حتى هذه اللحظة لم تحسم أمر أهدافها على وجه الدقة، فقد لفت نظري مؤتمر إدارة المشاريع الذي أقيم في الرياض نهاية الأسبوع الفائت وشارك فيه وزير الاسكان، وانتقد جودة تنفيذ المساكن. شعرت أن الوزارة فقدت بوصلتها فهل هي مؤسسة تنفذ المساكن أم تشرع وتراقب وتمول، هل ستترك الفرصة للمطورين العقاريين أم أن الوزارة ستكون هي المطور العقاري، وهل ستبيع منتجاتها أم ستمنحها للمواطنين؟ وقبل ذلك هل يوجد جهاز هندسي ومعماري مؤهل في الوزارة أم أنها تنوي الاعتماد على المكاتب والشركات العالمية كما فعل الوزير السابق؟ رغم أنه يحمد للوزير أنه قال إنه سيعتمد على المهندسين السعوديين في مشاريع الإسكان، وهذا تحول إيجابي نحو الوطن، نأمل أن يتحقق لا أن يكون مجرد تسويق إعلامي. الحقيقة أن من يشاهد موقع الوزارة على الشبكة العنكبوتية لا يفهم ماذا تريد الوزارة وما هي طبيعة علاقتها بالمواطن.
نحن نسير مع وزارة الإسكان في حلقة مفرغة وفي كل فترة تخرج علينا الوزارة بفقاعة كبيرة ثم تختفي الفقاعة وتختفي معها أحلام المواطنين. أتمنى أن تحدد الوزارة ماذا تريد وماذا ستحقق خلال الخمسة أعوام القادمة. أتمنى أن تحدد بالضبط ماذا يجب على المواطنين أن يتوقعوه منها، وكيف ستحقق هذه التوقعات. بالنسبة لي سقف التوقعات من الوزارة انخفض بشكل كبير، لذلك فإنني أدعو المواطنين أن يبحثوا عن حلول سكنية لأسرهم بعيداً عن وزارة الإسكان طالما أن هذه الوزارة تنتقل من إستراتيجية إلى أخرى دون نتائج يلمسها المواطن.