أحيانا لا أفهم أسباب العجلة البالغة التي تمارسها بعض الوزارات والمصالح الحكومية، فهي كمن يصمت دهرًا ثم ينطق شعرًا، لكنه شعر مكسور لا يخضع لأي من البحور.
ووزارة الإسكان الموقرة عيّنة بيّنة، ففي يوم 5 يناير نشرت إعلانًا مدفوعًا بحجم صفحة كاملة في عدد من الصحف المحلية تحث فيه الشركات الراغبة القادرة على دخول منافسة مفتوحة لتقديم عروضها لتصميم وتسويق وبناء وحدات وعمائر سكنية متعددة الأدوار، وحدّدت الوزارة يوم 4 فبراير موعدًا نهائيًا لتسليم العروض، أي مدة شهر واحد فقط “المدينة” 6 يناير.
إنه عجب في غير رجب! بداية مطلوب من الشركات المتنافسة أدوار متعددة مركبة هي التصميم والتشييد والتسويق، مع أن الأصل المعروف هو اختلاف المُصمِّم عن المُنفِّذ. لكنها بالطبع وزارة الإسكان، ولها أن تفعل غير الذي كان.
أما العجب الأشد، فهي الفترة القصيرة جدًا بكل المقاييس المخصصة لمشروع لن يقل حجم عطائه غالبًا عن عشرة مليارات ريال، إذ إن عدد الوحدات المطلوبة للتصميم والتنفيذ هو 26 ألف وحدة، ولو كلفت الوحدة الواحدة نصف مليون ريال، فإن المبلغ لن يقل عن 13 مليار ريال. باختصار هذا مشروع مُعقَّد تتداخل فيه عناصر كثيرة خاصة عند الحديث عن الشروط والمواصفات ونوعية التشطيبات ومدى جودتها والضمانات التي ستتوفر لها.
تقديري أن الوزارة قد أعلنت عن مشروعها، وهي تعلم تمامًا الشركة أو المؤسسة التي ترغب في تعميدها بالمهمّة، لكنها بما فُوجئت بنصوص النظام التي تجبرها على الإعلان عن هذا المشروع الهائل حتى يتنافس المتنافسون ويتصارع الراغبون. ومع ذلك، فإن مهلة شهر واحد غير كافية على الإطلاق لاستكمال عناصر التقديم للمشروع، بل لا تكفي حتى لدراسة جوانب المشروع فضلًا عن اتخاذ القرارات اللازمة المناسبة لكل شركة منافسة. هناك وثائق لا بد أن تُقرأ بعناية، وتحالفات لابد أن تُدرس. وكل ذلك يتطلّب أسابيع عديدة من المناقشات والمفاوضات وأعمال المحامين والقانونيين والمتخصصين من فنيين ومهندسين وعمرانيين، فضلًا عن رحلات عمل بالجملة وتنقلات بين المواقع الأربعة… إلخ.
يا معالي الوزير: مضت كل هذه السنوات صبرًا، ثم لا تمنحون المتنافسين إلاّ شهرًا.
15 يناير 2015