لا تزال التساؤلات تتجدد وتتواصل حول البيانات التي سبق وان نشرتها مصلحة الإحصاءات العامة منذ فترة من الوقت قبل أن تتحول إلى هيئة حالياً عن ترقيم وحصر الوحدات العقارية في المملكة خاصة ما تضمنته من إحصاءات تتعلق بإجمالي عدد الوحدات السكنية الشاغرة في كافة مناطق المملكة الثلاث عشرة والإشارة إلى أنها تبلغ نحو (970) ألف وحدة سكنية، تمثل وفقاً لذلك أكثر من (17%) من مجموع عدد المساكن القائمة في المملكة، الذي يتجاوز (5.6) ملايين مسكن، واقتران تلك التساؤلات بدهشة واستغراب الكثير ممن اطلع عليها عن كيفية أن تكون لدينا أزمة سكن ونملك هذا الرصيد الشاغر من الوحدات السكنية.
سبق أن ذكرت حين أعلنت تلك البيانات في وقتها أن المتأمل في تفاصيل ما احتوت عليه من ارقام ضمن الإطار الذي ينبغي أن تقرأ فيه، ووفق أطر تحليلية وليست عامة في تناول ما تتضمنه من احصائيات، يجد أنه بناء على نوع تلك المساكن الشاغرة فإن المنازل الشعبية تبرز واضحة في المقدمة بتمثيلها لأكثر من ثلث تلك الوحدات الشاغرة، ومعلوم أن الكثير من المنازل الشعبية إن لم تكن غالبيتها لا يتلاءم واقعها الحالي مع الاحتياجات الوظيفية والمعايير التصميمية للمساكن المطلوبة في الوقت الحاضر، كما أن البقية من المساكن الشاغرة في النوعين الآخرين من فيلات وشقق سكنية لا يستبعد مطلقاً أن يكون تهالك البعض منها وانتهاء عمرها الافتراضي قد أديا بها لأن تكون غير مرغوبة للسكن وبالتالي تصبح شاغرة، والحاجة احلالها بمساكن جديدة.
أما حين النظر لتلك البيانات ضمن إطار توزيعها المكاني، فيظهر واضحاً أن غالبية تلك المساكن الشاغرة هي في مناطق تصنف فيها المساكن إلى نوعين من حيث الإشغال، دائمة وموسمية، وذلك في مناطق مكة المكرمة (مساكن موسم الحج في مدينة مكة المكرمة، وموسم الاصطياف في مدينة الطائف) وعسير (مساكن موسم الاصطياف في مدينة أبها) وهما المنطقتان اللتان تحويان أكثر من (50%) من تلك المساكن الشاغرة، هذا بخلاف احتمال أن تكون تلك الوحدات السكنية الشاغرة هي مما يشغل فقط في نهاية الأسبوع وإجازات الأعياد والمدارس في القرى والمحافظات المحيطة بالمدن الكبرى وتعود في الغالب ملكيتها لأسر هجرت مرحلياً موطن سكنها الأصلي سعياً وراء فرص التعليم أو العمل لأفرادها في حواضر المملكة مثل هذا التحليل يقودنا للاستنتاج مباشرة إلى أن الوحدات السكنية الشاغرة الملائمة فعلاً للسكن في المملكة تقل في الغالب نسبتها عن (10%) من إجمالي عدد المساكن القائمة، ولو كان الحال خلاف ذلك لما نشأت لدينا في الأساس أزمة سكن، حيث إن هذه النسبة كما يعلم المختصون هي ما توصي بها وثائق خطط التنمية في المملكة فيما يتعلق بالطلب على المساكن، حيث تؤكد تلك الخطط على أهمية وضرورة أن يكون هناك مخزون إضافي من المساكن يمثل نحو (10%) من الطلب، على اعتبار أنها وحدات احتياطي تساعد في تخفيف التضخم بإيجارات المساكن، الأمر الذي يعزز من حقيقة أن وجود نسبة محددة من المساكن الشاغرة في سوق الإسكان لا تقل عن (10%) هي ضرورة اقتصادية وليست هدراً نسعى للعمل على تقليصه أو التقليل من نسبته إلى ما دون الحد الأدنى المشار إليه.