سؤال يحمل مئات الإجابات أو أكثر، ستختلف الإجابات وفقا لاختلاف مواقف المجيبين، وحسبما تقتضيه مصالحهم! لتكتشف تلك الاختلافات والمصالح، اتبع هذا السؤال بسؤالين آخرين، وأعد ترتيبها وفق التالي: (1) هل توجد لدينا أزمة عقارية ؟ (2) ما نوع هذه الأزمة، وما أسبابها الأساسية؟ (3) ما حل هذه الأزمة، وهل هو ممكن؟
إذا أتت إجابة السؤال الأول بـ (لا)، فمن الطبيعي جدا ألا تكمل بقية الأسئلة، فصاحب هذه الإجابة لا يرى وجود أزمة، أما إذا أتت بـ (نعم)، فهنا سيبدأ الاختلاف وتشخيص الأزمة وأسبابها، ومن هنا يبدأ التشتت على أرض الواقع، سيليه بكل تأكيد تشتتا أكبر وأخطر عند وضع الحلول.
لنستبعد الإجابات والتحليلات التي لا تعجب على الإطلاق فريق تجار الأراضي والعقار، وتحديدا الفريق الذي جاءت إجابته بـ (نعم) على السؤال الأول، على الرغم من كثرة الاختلافات بين كلٍ من تجار الأراضي فقط، والمطورين العقاريين من جهة، وملاك العقارات من جهةٍ أخرى، فلكل فريق منهم رؤيته الخاصة التي وضعها بناء على ما تقتضيه المحافظة القصوى على مصالحه “أو تجارته بمعنى أدق”. لكن لنمضِ معا خطوة بخطوة مع التركيز على القواسم المشتركة لرؤاهم تجاه هذه الأزمة، لعل من أبرز تلك النقاط فيما يتعلق بتشخيص الأزمة ونوعها ما يلي: (1) تأخر البلديات في الموافقة على فسح التطوير والبناء، وتأخر شركة الكهرباء في إيصال الخدمة. (2) تحميل وزارة الشؤون البلدية والقروية للمطورين العقاريين تكلفة تطوير المخططات والأراضي، وأنه من الطبيعي جدا أن تضاف تلك التكلفة إلى قيمة البيع النهائية. (3) تأخر الجهات الحكومية وشبه الحكومية في إيصال المرافق العامة للمخططات، وعدم تطويرها للبنى التحتية. (4) ضعف قنوات التمويل العقاري، وزاد من صعوبة الأمر قيام مؤسسة النقد بخفض نسبة تحمل البنوك ومؤسسات التمويل إلى 70 في المائة من قيمة العقار، واشتراطها تحمل المشتري لنسبة 30 في المائة. (5) ضعف الشراكة بين الأجهزة الحكومية والشركات العقارية والمطورين، وتحديدا مع وزارة الإسكان. (6) تسبب برامج سعودة الوظائف، والحد من الاستقدام في رفع تكلفة التشغيل على شركات التطوير العقاري. طبعا يوجد الكثير من الأسباب الأخرى التي لا مجال لسردها هنا، التي فاق عددها وفقا للعديد من الطروحات والمنتديات العقارية سقف الـ 40 سببا!
قد يتساءل القارئ؛ ألا يعد ارتفاع أو تضخم الأسعار أحد أوجه وأسباب الأزمة العقارية؟ هنا تباينت الإجابات، فمنهم من قال (لا) بل على العكس تعتبر الأسعار لدينا ضمن نطاقات الأسعار الأرخص عالميا! وفريق آخر يرى أنها تخضع لقوى العرض والطلب! وفريق آخر هو الأقل عددا، رأى أنها مرتفعة نوعا ما، ولكن ليست بالصورة المخيفة التي يصفها بها الدخلاء على النشاط العقاري.
طبعا لا بد من الإشارة إلى جانبٍ مهم من طروحات فريق تجار الأراضي والعقار ومعهم أغلبية من المطورين، حيث يرى هذا الفريق أنه لا توجد أزمة عقارية بالمعنى الحقيقي للأزمة، وأن البيانات التي تشير إلى تدني نسبة تملك السعوديين للمساكن؛ أنها في الأصل غير دقيقة وغير صحيحة، رغم أنها صادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وهذا أيضا رأيهم تجاه البيانات والمؤشرات الصادرة عن وزارة العدل، التي يعتقدون أنها تحمل الكثير من عدم مطابقتها لواقع السوق! ويرتفع هذا الرأي من قبلهم إلى التحذير من تصديق أي تقارير إعلامية أو خلافه تعتمد على تلك المؤشرات العقارية!
أمر آخر تجدر الإشارة إليه، يرى هذا الفريق أيضا أن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، الذي أعلن مجلس الوزراء موافقته عليه قبل أكثر من أربعة أشهرٍ مضت، ويُنتظر صدور آليات تنفيذه قريبا، يقول الفريق العقاري في هذا الخصوص: إنه قرار غير مجدِ، ولا حاجة إليه من وجهة نظرهم، بل قد يتسبب على حد قولهم في زيادة الأسعار، على الرغم أنهم من سيستفيد حصرا إذا ارتفعت! وأن تكلفة تلك الرسوم سيتم تمريرها إلى المشترين الأفراد. كما يذكر الفريق العقاري هنا، أن السبب الرئيس لإقرار هذه الرسوم على الأراضي غير صحيح، والمتمثل في انتشار صور احتكار الأراضي! ولأنه لا يوجد أي احتكار للأراضي فلا حاجة على الإطلاق إلى مثل هذه الرسوم.
إذا خلاصة الحلول وفقا لما تقدم ذكره؛ تتمحور في الآتي: (1) رفع مستوى شراكة وزارة الإسكان مع المطورين العقاريين إلى أعلى درجة ممكنة. (2) تسليم مخططات الأراضي إلى المطورين مكتملة البنى التحتية، وتوفير كافة الخدمات إليها “كهرباء، ماء، صرف صحي”. (3) إلغاء شروط التمويل العقاري التي وضعتها مؤسسة النقد. (4) زيادة القرض العقاري الممنوح من صندوق التنمية العقارية كلما تطلب الأمر (أي كلما ارتفعت الأسعار، وكأنهم يعلمون أنها سترتفع إذا تحققت تلك المطالب). (5) إسراع كافة الأجهزة الحكومية في إصدار الموافقات اللازمة، كفسح البناء وتراخيص التطوير وتأشيرات استقدام العمالة الوافدة، وخلافه مما يحكم أي علاقة بينهم مع أي جهة حكومية، بأن يتم تذليلها وإزالتها. (6) إنشاء هيئة عليا للعقار، تكون مرجعية مؤسسية لقطاع العقار، تتولى حماية مصالح جميع الأطراف العقارية، وفي مقدمتهم بالطبع تلك الشركات العقارية وملاكها.
نخرج الآن من دائرة رؤى تجار الأراضي والعقار، على أنني أعترف صدقا بشعوري بكثيرٍ من الضيق طوال قراءة تلك الرؤى العقارية وتلخيصها وبلورتها هنا. كما يبدو أن هذا الفريق لا يرى أبدا “احتكار” أكثر من نصف مساحات المدن الرئيسة، واكتظاظها بالأراضي البيضاء المحاطة بجميع خدمات المواصلات والطرق والكهرباء والماء، وبقائها ممنوعة من الاستخدام السكني أو التجاري. ولا يرى هذا الفريق بالتالي أي حاجةٍ إلى إقرار الرسوم على تلك الأراضي المحتكرة، كونها وفقا لنظرتهم غير موجودة “لا أحد يعلم ما تلك المساحات الشاسعة والخالية من السكان والمساكن داخل المدن”.
ولا يرى كذلك أنه توجد أزمة إسكانية ترتب عليها انخفاض نسبة تملك المواطنين مساكنهم، ولا يرى أن ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية مشكلة تستحق حتى الحديث، ولا يرى في ارتفاع الإيجارات على المستأجرين أي أزمة كانت، بل يعتقد أن الأهم هنا هو توافر مساكن للمواطنين بغض النظر عن كونهم مستأجرين أو مالكين لتلك المساكن! ويعتقد أيضا أنه يجب إصدار الأنظمة التي تكفل حقوق المؤجر “مالك العقار” مقابل المستأجر، وضرورة إيقاع العقوبات والغرامات على المتأخرين في سداد الإيجارات المستحقة عليهم.
ختاما؛ أعيد طرح سؤال عنوان المقال، وفقا لآراء فريق تجار الأراضي والعقار المبين أعلاه: هل يمكن حل الأزمة العقارية في بلادنا؟! أترك الإجابة كاملة للقراء الكرام. والله ولي التوفيق.