يؤسس نظام الهيئة العامة للأوقاف، الذي صدر مؤخراً قرار مجلس الوزراء بالموافقة عليه، لقيام كيان جديد، يعبر عن مدى الاهتمام الذي يولى لهذا القطاع كي يحظى بالاستقلالية في عملية الإشراف على أنشطته، والسعي لبلوغ الأهداف التي وضعت له، وتتمحور بشكل أساسي حول تنظيم الأوقاف والمحافظة عليها وتطويرها وتنميتها بما يحقق شروط الواقفين، ويعزز من دور الأوقاف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكامل الاجتماعي.
إن اكتمال وجود عنصري النظام والهيئة يوحي في الواقع بالجهد الواضح الذي بذل لتطوير قطاع الأوقاف في جانبيه النظامي من خلال صدور نظام الهيئة العامة للأوقاف، والإداري عبر تأسيس الهيئة العامة للأوقاف مما يبدو منه أن ما من عنصر أساسي تبقى سوى تطوير الجانب التمويلي الذي لا زال من وجهة نظر البعض يعد من أبرز القضايا التي تواجه قطاع الأوقاف بوجه عام وتقلل من فعاليته، ولعل ذلك لم يكن غائبا عن افق من صاغ مهام الهيئة، التي اشتملت من بين مهامها المتعددة القيام بإيجاد صيغ وقفية جديدة.
لقد تبلورت عبر السنوات الماضية عدد من الصيغ العصرية للتطوير في مسيرة الوقف التي يعد من بين أبرز أمثلتها الصناديق الوقفية، وبالذات ما تتميز من إتاحة المجال لصغار المانحين مهما بلغت ضآلة عطاءاتهم للمساهمة في مجال الوقف وذلك عبر ما يتم إصداره من سندات أو أسهم وقفية يكتتب فيها الواقفون لامتلاك حصة موقوفة منهم في مشروع معين، والصناديق الوقفية عبارة عن إطار تنظيمي يتمتع باستقلالية نسبية يختص بالدعوة للإسهام في وقف لغرض معين والقيام بالأنشطة التنموية أو الخدمية في المجال المحدد لهذا الصندوق سواء كانت تعليمية مثل المدارس، أو صحية مثل المستشفيات، أو اجتماعية مثل الإسكان أو خلافها من المجالات الأخرى، وتأتي موارد الصناديق الوقفية بصفة أساسية من ريع الأوقاف المخصصة لها، والأوقاف الجديدة التي تدخل أغراضها وفق ما هو محدد من قبل الواقفين ضمن أهداف كل صندوق، يضاف إلى ذلك ما يحققه الصندوق من عائد مقابل ما يقوم به من أنشطة وخدمات، هذا بخلاف الموارد الأخرى التي تأتي عن طريق الهبات والوصايا والتبرعات والاكتتابات، ويتولى إدارة الصناديق الوقفية عادة مجلس إدارة يمثل الجهة العليا المشرفة على أعماله وخططه وبرامجه التنفيذية وصرف الريع الوقفي في مجال عمل الصندوق بتفويض من الجهة المعنية بتنظيم الأوقاف والمحافظة عليها.
إن هذه الصيغة المتطورة لمؤسسة الوقف وما يمكن أن تسهم به على نحو كفء في تنمية المجتمع وتلبية مختلف احتياجاته والمتمثلة في الصناديق الوقفية لجدير أن تتبناها الهيئة العامة للأوقاف وتضع اللوائح المنظمة لها وبالذات في مجال الإسكان باعتبار أن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وهناك ما لا تقل نسبته عن عشرة في المئة من الأسر السعودية ممن هم في حاجة للصرف عليهم لهذا الغرض من ريع مثل هذه الصناديق لو تم انتشارها في مناطق المملكة سواء عبر توفير المسكن الملائم للمحتاجين منهم أو تحمل كل أو بعض تكاليف استئجاره أو تهيئة أراض سكنية وقفية لبناء مساكن عليها لغير القادرين على امتلاك الأرض أو غيرها من أوجه الصرف لريع الصندوق الوقفي في إطار الغرض الذي تأسس من أجله.