يعتبر الإسكان من الأولويات الهامة وهو أحد المحاور الأساسية في رؤية المملكة 2030، بما يساهم بتوفير حياة كريمة للأسر السعودية من خلال تمكينهم من تملك منازل تتماشى مع احتياجاتهم وقدراتهم المالية، ومما يؤكد اهتمام حكومتنا الرشيدة بتلمس احتياجات المواطنين في توفير الإسكان الكريم الملائم، فقد صادق خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الموافقة على تحفيز القطاع الخاص بمبلغ 72 مليار ريال وذلك لدعم الاقتصاد الوطني من خلال إشراك القطاع الخاص في عجلة التنمية كشريك رئيسي.
وقد حظي قطاع الإسكان على نصف هذه الميزانية بما مقداره 35 مليار ريال سعودي، كدليل على أهمية هذا القطاع بدعم عجلة التنمية وتركزت هذه المبادرة بدعم القروض السكنية ودعم تقنيات البناء.
ويعتبر قطاع العقار من القطاعات المؤثرة على الاقتصاد الوطني بعيدا عن النفط. فقطاع الإسكان يساهم وبشكل كبير في دعم الناتج المحلي للدول, فنجد أن قطاع الإسكان لعام 2016 قد شكل حوالي 16 % من الناتج المحلي الأمريكي، وحوالي 5.4 % من الناتج المحلي البريطاني، ويحظى القطاع بدعم المستثمرين المحليين والعالميين كاستثمار مباشر، هذا غير الاستثمارات الغير مباشرة و المرتبطة بالقطاع كالاستثمار في صناعات مواد البناء، والتمويل.
وتشير التقديرات المالية بان العائد الاقتصادي لكل ريال يستثمر في القطاع العقاري يقدر بحوالي 8 ريالات كمخرج اقتصادي مباشر وغير مباشر، ومن الآثار الاقتصادية توفير آلاف الوظائف لأبناء الوطن مما سيكون له الأثر الكبير بتقليل نسب البطالة لاسيما بعد إنشاء المعهد العقاري السعودي. كل هذه المعطيات تصب وبكفاءة في تعظيم الأثر الاقتصادي وتمتين القاعدة الاقتصادية للملكة وبما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
وقد قامت وزارة الإسكان باحترافية بتبني نظرية العرض والطلب، بدعم العرض من خلال إبراز المشاريع والبرامج السكنية, ونجحت بتوفير الطلب بضخ المزيد من الوحدات السكنية بخيارات متعددة، وقد حفزت المنتجات بواسطة خلق العديد من فرص التعاون بين القطاع الخاص والعام، وقدمت مع الجهات الحكومية ذات الصلة وعلى مدى الأشهر الماضية العديد من المبادرات المتتالية لتسهيل عملية تملك المنازل مثل قانون الأراضي البيضاء الذي خفض من أسعار العقارات في المملكة، وبرنامج التمويل المدعوم، وبرنامج وافي, والإسكان التنموي، واتحاد الملاك، ومبادرة إنشاء الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري التي تهدف إلى ضخ السيولة لتحفيز التطور العقاري وإدارة المخاطر لشركات الرهن العقاري.
وبالرغم من هذه المبادرات إلا أن هناك بعض الملاحظات من ناحية العرض والتي قد يكون لها الأثر المحدود على نجاحها، ومن ضمنها على سبيل المثال، انحصار برنامج التمويل المدعوم على الأفراد الذي يقل دخلهم على 14 ألف ريال، مع العلم بان قانون الضريبة المضافة وبرنامج وقف الدعم عن استهلاك الكهرباء والوقود سينفذ قريبا جدًا؛ مما قد يعيق سداد المواطن للقروض العقارية. ومن المعوقات أيضا محدودية صرف هذه القروض فتكون بطريقة تملك سكن جاهز فقط، وقد يكون المواطن بحاجة للقرض المالي لأنه قد تحمل قروضا شخصية وديون من بنوك أخرى لبناء منزله، وفي هذه الحالة قد يرفض المواطن القرض أو أن يتحمل ديون أخرى تضاف للدين السابق مما يعيد للذاكرة أزمة الرهن العقاري للولايات المتحدة الأمريكية عام 2007.
ومن الملاحظات لناحية الطلب، تعدد شروط بعض الأفراد في اختيار سكن متعارضا مع حالته المالية، حيث أن البعض يطلب أن يسكن في حي، وموقع معين ويشدد على مساحة سكنية معينة، وبعضهم يرفض تماما أن يسكن في شقة بالرغم من انه قد يكون متزوجا حديثًا، وقد يكون راتبه لا يكفي لسداد قروض كبيرة.
لذا أصبح من الضروري تشكيل لجنة من وزارة الإسكان ومن جميع القطاعات الحكومية والخاصة ذات الصلة، وتكون من مهام اللجنة الاهتمام بتنمية المواطن وإيجاد حلول سكنية تتماشى مع وضعهم المالي تبنى برنامج توعوي يهتم بتنظيم الدخل ونشر سياسة الاقتصاد ونبذ الإسراف، إيجاد مؤشرات أداء لقياس نجاح خطط الإسكان وبما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، دراسة ميدانية للمجمعات السكنية من شقق وفلل معروضة للبيع في مختلف مناطق المملكة لتسهيل عملية تملك المواطنين لها حيث أن هذه تعد خطوة عملية سريعة للتملك وبأقل الأسعار، دراسة الزحف العمراني على بعض المناطق وتشجيع البناء الراسي بدلاً من الأفقي، التأكد من إيقاف تملك البنوك وشركات التمويل للعقارات وضرورة توثيق الرهون العقارية لتغطية مخاطر الانتظام بالسداد، التأكد من جاهزية البنوك لتتماشي مع متطلبات المواطنين للقروض العقارية، السعي الحثيث لتطوير القطاع السكني والإنشائي بأحدث تقنيات البناء ثلاثية الأبعاد، حيث ستوفر هذه التقنية تقليل نسبة العمالة وتقليل تكاليف البناء بنسبة كبيرة جدًا.
تشكيل مثل هذه اللجنة من القطاعات الحكومية والخاصة سيكون له الأثر الكبير لتسهيل متطلبات المواطن السكنية عن قرب وبما يضمن وجود تنمية شاملة لراحة المواطنين.