من أهم المؤشرات التي تم التصريح بها وتوثيقها في برنامج التحول الوطني هو ارتفاع نسبة التملك للأسر السعودية بمقدار 5 في المائة من “47 في المائة إلى 52 في المائة” في 2020، وذلك تحت الهدف الاستراتيجي الثالث، الذي ينص على “تمكين المواطنين من الحصول على تمويل سكني مناسب”، وأخيرا أظهر المسح الديموغرافي 2016 الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء أن نسبة المساكن المملوكة والمأهولة بأسر سعودية في المملكة بعد استبعاد المساكن التي تم بناؤها من “طين، حجر، طوب، وبلك” بلغت “49.8 في المائة” ويقطنها “54.9 في المائة” من إجمالي أفراد أسر السعودية، أي أن 3 في المائة من أصل الهدف 5 في المائة قد تحقق فعليا، بينما نسبة التملك الإجمالية للأسر السعودية وصلت إلى 63.18 في المائة عند الأخذ في الاعتبار جميع أنواع البناء، لذلك التساؤل المطروح هنا: هل فعلا حققت وزارة الإسكان خلال مدة وجيزة 60 في المائة من هدفها في حال اعتبار نسبة التملك محصورة في المباني المسلحة فقط؟ أم أنها تجاوزت الهدف بكثير في حال اعتبار جميع أنواع المباني المملوكة؟
سبق أن أوضحت وأوضح غيري من الزملاء أن اعتبار نسبة التملك كهدف أساسي وحده لا يعد أمرا سليما لاعتبارات كثيرة ذكرتها في مقال سابق تحت عنوان (“الرؤية” .. والإسكان)، وعلى وزارة الإسكان أن تتبع مؤشرات عملية وعلمية أقرب إلى الواقع ويمكن قياسها بشكل دوري، وقد تبنت وزارة الإسكان أحد المؤشرات المهمة الذي يعرف عالميا بمؤشر القدرة على التملك Housing Affordability Index الذي ورد في برنامج التحول الوطني كمؤشر أداء تحت مسمى مكرر متوسط سعر الوحدة إلى إجمالي دخل الفرد السنوي، وأوضحت الوزارة أن المكرر الحالي “10” وتعتزم أن ينخفض هذا المكرر إلى “5” في 2020، وهذا لا يتم إلا بمضاعفة إجمالي دخل الفرد السنوي، أو بخفض متوسط سعر الوحدات السكنية إلى النصف، أو بالعمل على مزيج بين الأمرين، ولعل الظروف الحالية توضح بجلاء أن رفع مستوى الدخل لن يكون مهمة سهلة، وقد لا يتيسر في المدى المنظور حتى 2020، وحتى يكون هذا المؤشر عمليا لا بد من توضيح جميع نواحيه والعمل على إبراز متغيراته ومتابعتها بشكل دقيق قدر الإمكان، فعندما نأخذ “متوسط سعر الوحدة” فهنا نحتاج إلى تعريف واضح من وزارة الإسكان لما تعنيه بمتوسط الوحدة السكنية، وبلا شك أن التعريف والتفصيل لا بد أن يراعي ثقافة المجتمع وعاداته وكذلك حجم العائلة، فلا يمكن أن نستلهم مساحة المسكن والتصميم الغربي، فلا بد من مراعاة الجوانب التصميمية للمسكن وفقا للثقافة المحلية، التي تعتمد على كثافة استخدام السكن وحجم الوقت الذي يتم قضاؤه فيه، ونوع الأنشطة العائلية والاجتماعية التي تمارس داخله، كما لا يمكن تعميم تفاصيل متوسط الوحدة السكنية على جميع المناطق والمدن ولا سيما الكبيرة منها التي تشكل ثقلا سكانيا واقتصاديا كبيرا مقارنة بمثيلاتها، مع التأكيد على أن هناك تغيرا مستمرا لشكل وتفاصيل المسكن على مر السنين، وسيتغير كذلك مستقبلا، لذلك نحن بحاجة إلى تحديث مستمر وتلمس الاحتياجات العصرية التي تستجد في مجال السكن والتحولات الديموغرافية التي تستدعي تغيير مساحات المساكن وتصاميمها من وقت إلى آخر، عندما نأتي إلى تفصيل إجمالي دخل الفرد السنوي فلا يمكن مقارنة متوسط دخول من يعمل في المدن الكبرى بمن يعمل في غيرها من المدن المتوسطة والصغيرة، ولذلك لا بد من دراسة تفاصيل الدخول السنوية للأفراد وفقا للمناطق الجغرافية والحصول على معلومات دقيقة يمكن من خلالها تتبع مؤشر القدرة على التملك بشكل أكثر دقة وأقرب إلى الواقع.
الخلاصة، لا أعتقد أن نسبة التملك التي صدرت أخيرا “48.9 في المائة” يمكن أن تعطي القائمين على وزارة الإسكان قدرا من الارتياح بأنها أنجزت أغلب مهمتها، وكذلك لا بأس بالاستئناس بنسبة التملك كمؤشر عام يتم قياسه بشكل سنوي، لكننا في هذه المرحلة الحرجة التي تستدعي الشفافية والوضوح عند مخاطبة الجمهور من قبل وزارة الإسكان، نحن بحاجة إلى مؤشرات عملية وملموسة على أرض الواقع ويمكن قياسها بشكل دوري، كحد أقصى ربع سنوي، وهذا المؤشر من الممكن أن يكون مكرر متوسط سعر الوحدة إلى إجمالي دخل الفرد السنوي، وليس هناك أوضح من الفجوة بين أسعار المساكن ودخل الأفراد لتبيان حجم الأزمة التي يمر بها قطاع العقار السكني، ولا شك أن هذه الفجوة تعتبر نذير خطر على المواطن والسوق على حد سواء، فما لم تؤدِ سوق العقار السكني دورها الحقيقي وهو توفير وحدات سكنية للمستخدم النهائي تتوافق مع قدراته المالية، فهذا يعني خللا جسيما في تركيبتها يستدعي إعادة هيكلتها ووضع مؤشرات واضحة ودقيقة تقاس بشكل مستمر، لتؤكد أن سوق العقار السكني تقوم بدورها التنموي بشكل سليم، وهذا سيتبين بشكل جلي من خلال تقصي الفجوة بين أسعار المساكن وإيجاراتها ودخل الفرد في كل مدينة على حدة بشكل دوري.