ثلاثة عناصر للسوق العقارية ينبغي أن تتفاعل وتتكامل بشكل سلس وبأرضية راسخة وبيئة محفزة، كي تحقق الاستدامة والاستقرار لسوق العقار، أول العناصر، هو المستثمرون في السوق العقارية، وهم باختصار من يضخ رؤوس الأموال في السوق للحصول على العوائد، وثانيها، المطور وهو مهندس ومبتكر المنتجات العقارية، وثالثها، المستخدم النهائي سواء المستأجر أو المشتري النهائي، الذي يسعى المستثمر والمطور إلى إيجاد المنتجات العقارية التي تلائم احتياجاته المتغيرة وتلبي رغباته المختلفة، لكن ما الذي يضمن متانة العلاقة بين هؤلاء الأطراف لتتحقق معادلة ليست بالهينة في السوق العقارية، وهي أن يربح كل هؤلاء الأطراف؟ لا شك أن التنظيمات والتشريعات هي الغطاء الضامن والحافز الأساسي لكل طرف ليقوم بدوره بأفضل الأساليب والوسائل، فمتى كانت البيئة الاستثمارية للقطاع العقاري مهيأة وشفافة ومحفزة وتعتمد على معادلة “الجميع رابح” فهنا يتحقق الهدف الأساس وهو الاستدامة والاستقرار لهذا القطاع المهم والحيوي، لأن أكثر ما عاناه القطاع العقاري خلال العقود المنصرمة ينصب في ضعف التشريعات والأنظمة التي تحكمه وتوجه كل عنصر من عناصر السوق للقيام بدوره على أكمل وجه، وكذلك ترفع مستوى الوعي والإدراك والشفافية في السوق لتحفيز مزيد من الاستثمارات وبالتالي مزيد من التطوير وعمليات البيع والإيجار بما يتناسب مع الحاجة الحقيقية لكل سوق عقارية فرعية، سواء سكنية أو صناعية أو تجارية أو زراعية.
خلال العقود الماضية لم يكن هنالك أي التفات جاد لتنظيم السوق العقارية، مع ضخامة حجم الأموال المستثمرة فيها، وتأثيرها المباشر في حياة الأفراد من خلال سوق العقار السكني، وكذلك في الأعمال التجارية خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال سوق العقار التجاري المتعلق بعقارات التجزئة من معارض تجارية ومكاتب وكذلك العقارات الصناعية من مصانع ومستودعات وخدمات العقارات اللوجستية الأخرى، أو العقارات السياحية من فنادق ومنتجعات وشقق مفروشة، وعلى ذلك يمكن القياس لنخرج بنتيجة وهي أن كل قطاع منتج ستجد أن العقار يؤثر فيه بشكل أو آخر، ولذلك طال انتظار المهنيين والمهتمين بالشأن العقاري لوجود جهة إشرافية تتولى تنظيم هذا القطاع المهم والحيوي، وأخيرا صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء الهيئة العامة للعقار خلال الأيام الماضية، وقد نص نظام الهيئة العامة للعقار في مادته الثالثة على أن الغرض من إنشاء الهيئة هو العمل على تنظيم النشاط العقاري غير الحكومي والإشراف عليه وتطويره لرفع كفاءته وتشجيع الاستثمار فيه بما يتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فهي المعنية حاليا بوضع التنظيمات والتشريعات وضمان تطبيقها على أرض الواقع حتى تتمكن السوق العقارية من القيام بدورها الحيوي بكل كفاءة وجدارة وتضمن حقوق جميع عناصر السوق العقارية. وبلا شك فإنه بعد استحداث أو تحديث الإجراءات والتنظيمات من قبل الهيئة العامة للعقار فإن وجود التأهيل البشري للمهن العقارية المختلفة سيكون هو الضامن لتغيير النظرة النمطية السابقة والمشوهة لسوق العقار، التي كانت في فترة سابقة مناسبة، لكن يجب أن تتغير أساليب الاستثمار العقاري وتتجه الأموال فيه نحو التطوير والإنتاج وسد حاجة القطاعات المختلفة من المنتجات والخدمات العقارية، وهذا لن يحدث إلا بوجود تأهيل مهني وتغيير للمفاهيم عن طريق برامج تعليمية وتوعوية لكل عناصر السوق العقارية “المستثمر، والمطور، والمستخدم” والخدمات المساندة لها من وساطة عقارية وإدارة المرافق والأملاك والتمويل العقاري وغيرها من المهن الواجب تنظيمها والرقابة عليها حتى تشكل دعامة آمنة للسوق العقارية بعيدا عن أي تدليس أو خداع أو جهل.
الخلاصة، أمام الهيئة العامة للعقار كثير من التحديات التي يجب أن تتكاتف جهود من في السوق لتذليلها، وجعل هذه الهيئة مظلة تنظيمية تضمن استدامة واحترافية وجاذبية السوق العقارية، ويبدأ ذلك من تحديث واستحداث الأنظمة التي تخدم السوق العقارية والمتعاملين فيها، وكذلك التأهيل المهني للرفع من مستوى الوعي والكفاءة في السوق، كما من المهم الحرص على تنويع الخلفيات والاهتمامات العقارية في مجلس الإدارة، وأن تضم في لجانها الشرائح العقارية المختلفة من مستثمرين ومطورين ومهنيين كي تتمكن من خدمة وتحسين كافة أذرع السوق العقارية، كما أن مجال الأبحاث العقارية يعاني قلة الاهتمام به، مع وجود خريجين سنويا لدراسات عليا من برنامج التطوير العقاري في جامعة الملك سعود مثلا، إلا أننا لا نجد الجهات الداعمة لهذه البحوث كي تساعد على نشرها في المجلات العلمية المحكمة، وتكون مرجعا لأصحاب القرار، وكذلك للمهنيين والمهتمين بالشأن العقاري.
29 يناير 2017