يعد التطوير العقاري من الأنشطة المهمة التي يجب أن تذلل لها المصاعب، للإنتاج والابتكار وزيادة المعروض من المنتجات العقارية السكنية أو التجارية، ولذا فإن تنظيم سوق العقار والمال والعمل بشكل أكثر فعالية سيضمن توافر عناصر الإنتاج الأساسية “الأرض والعمالة ورأس المال” لتحفيز المطورين لدخول سوق العقار بشكل عام وإنتاج الوحدات السكنية بشكل خاص، وذلك ليتحقق الهدف الاستراتيجي الثاني لوزارة الإسكان في برنامج “رؤية 2030” الذي ينص على “تحفيز المعروض العقاري ورفع الإنتاجية لتوفير منتجات سكنية بالسعر والجودة المناسبين”، وفيما يلي سنوضح آلية شراء الأراضي بلغة مالية لاتخاذ القرار الصحيح ومعرفة القيمة المناسبة للأرض وذلك للراغبين فيها لبناء منازلهم أو المطورين وبناة المساكن الراغبين في دخول مجال التطوير العقاري خلال الفترة المقبلة، والحقيقة لا أستطيع توضيح جميع الجوانب بشكل يناسب جميع المطورين، لذلك سأحاول باختصار أن أوضح أبرز النقاط للوصول إلى قرار سليم للاستحواذ على الأراضي بما يتناسب مع وضع السوق الحالي والتوجهات المستقبلية المعلنة من الجهات المعنية.
أول هاجس لدى أغلب الراغبين في شراء الأرض اليوم هو القيمة المناسبة للأرض، وهل الاستحواذ عليها حاليا أفضل أم الانتظار حتى تنخفض أكثر؟ هذا التساؤل لا تمكن الإجابة عنه حتى تعرف من هي الفئة المستهدفة من منتجاتك العقارية، وما الدخل الشهري لهذه الفئة وذلك للتوصل إلى الموقع المناسب للأرض وقيمتها التي تتواءم مع شريحتك المستهدفة، لذا من الخطأ الشائع في سوقنا السعودية البداية بقيمة الأرض كمنطلق لحساب تكاليف الوحدة السكنية، بل الصحيح البدء بالشريحة المستهدفة وإمكاناتها المالية، فلو افترضنا أن الشريحة المستهدفة للمطور هي التي يمثل متوسط دخلها عشرة آلاف ريال شهريا، وذلك يعني 120 ألف ريال سنويا، أولا يجب أن نصل إلى السعر المناسب للشريحة المستهدفة، وذلك بحساب المؤشرات الأساسية لمعرفة القدرة الشرائية لهذه الفئة وما توجهات وزارة الإسكان بخصوصها، وأولها مؤشر القدرة على التملك وهو مكرر متوسط سعر الوحدة إلى إجمالي دخل الفرد السنوي في منطقة معينة، الذي تسعى وزارة الإسكان لأن يصل إلى مكرر 5 وفقا لوثيقة برنامج التحول الوطني 2020، لذلك فسعر الوحدة السكنية يجب ألا يتجاوز 600 ألف ريال للشريحة التي متوسط دخلها عشرة آلاف ريال، كذلك المؤشر الآخر الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار هو القدرة على الحصول على التمويل السكني، وجهات التمويل غالبا تفضل أن تكون حدود التمويل العقاري بين 50 إلى 60 راتبا شهريا، لذلك فإن الوحدة السكنية يجب أن تكون بين 500 ألف إلى 600 ألف ريال، كذلك من المؤشرات التي صرحت بها وزارة الإسكان كهدف لها وطبقتها في القروض المقدمة من صندوق التنمية العقاري، ألا تتجاوز نسبة استقطاع قسط التمويل العقاري أكثر من ثلث الراتب الشهري، ويعتبر هذا المؤشر مقياسا عاما تتبعه بعض الدول مثل إدارة التطوير والإسكان الأمريكية، ولذلك مع جميع المعطيات السابقة نجد أن متوسط سعر الوحدة السكنية المفترض على الراغب في البناء أو المطور ألا يتجاوزه هو 550 ألف ريال لهذه الشريحة.
الخطوة التالية هي حساب تكلفة التطوير، فبعد معرفة قيمة بيع الوحدة السكنية وهي كما وضحنا سابقا في المثال 550 ألف ريال، يأتي دور حساب تكاليف التطوير والبناء للوحدة السكنية، وهنا تجدر الإشارة في حال كان التطوير شاملا أي يتضمن بنية تحتية وكذلك إنشاء الوحدات السكنية، فلا بد من تحميل تكاليف البنية التحتية على الوحدات السكنية، كما تتضمن تكلفة التطوير تكاليف التمويل في حال كانت ممولة، وكذلك لا بد من إضافة هامش الربح المستهدف، أما في حال كان البناء شخصيا فلا داعي لإضافة أي هامش ربح، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية ضبط توقعات المطورين نحو هامش الربح، خاصة أننا نتحدث عن فئة المساكن الميسرة، وهذا لا يعني ألا تكون الأرباح مجدية لكن تكون بالقدر المعقول الذي يجعل إمكانية بيع الوحدات السكنية بسعر مناسب للشريحة المستهدفة ممكنا، لذلك نجد في الصين مثلا أن مشاريع الإسكان الميسر لا تتجاوز أرباحها 10 في المائة من تكلفة المشروع، ولذلك فهي غير جاذبة لكبار المطورين مع توافر اليد العاملة والمواد بشتى أنواعها وجودتها في السوق الصينية، كذلك في بريطانيا غالبا ما يستهدف المطورون هامش ربح 15 في المائة للمشاريع المتوسطة و20 في المائة للمشاريع الكبرى، وقد تزيد في حدود 5 في المائة إلى 7 في المائة بسبب بعض التسهيلات الضريبية التي تعطى للمطورين لتحفيزهم على التطوير.
وفي النهاية من الممكن التوصل إلى قيمة الأرض المناسبة لشريحتك المستهدفة من المنتجات السكنية عن طريق القيمة المتبقية التي تعتبر الطريقة المثالية والمعتبرة عالميا لدى المطورين للاستحواذ على الأراضي، حيث يتم خصم قيمة التطوير من إجمالي سعر البيع للوصول إلى قيمة الأرض، التي توضحها المعادلة التالية بشكل مبسط (قيمة الأرض = إجمالي قيمة التطوير (أسعار البيع) ـــ إجمالي تكلفة التطوير)، وقيمة الأرض هذه سواء حصلت عليها اليوم أو بعد خمس سنوات مثلا فلن يكون هناك تأثير فيك كمطور ـــ بإذن الله ـــ لأن الانطلاقة كانت صحيحة وهي باستهداف الطلب ومواءمة منتجاتك لحاجة الشريحة المستهدفة وإمكاناتها المالية.