أعلنت هيئة السوق المالية على موقعها الرسمي خلال الأيام الماضية عن مسودة مشروع التعليمات الخاصة بصناديق الاستثمار العقارية المتداولة، التي تعتبر أداة فعالة في تحويل الاستثمار العقاري من استثمار لا يستطيع تحمل تكاليفه إلا النخبة نظرا لضخامة رأس المال المطلوب للدخول فيه، إلى استثمار متاح للجميع بشتى شرائحهم وإمكاناتهم المالية وبمبالغ قليلة وقابلة للتسييل بشكل أكثر مرونة من الأصول العقارية الملموسة، هذا التحول في هيكلة الاستثمار العقاري لجعله أداة استثمارية فعالة ورافدا اقتصاديا مهما بدأ منذ الستينيات في الولايات المتحدة، وانتقل إلى دول كثيرة أخيرا بدأت تتبع النموذج نفسه وأسلوب الهيكلة لما يعرف بـ Real Estate Investment Trust -REIT، الذي يميز هذا النوع من الصناديق المتداولة هو أن أغلب أصوله العقارية مدر للدخل، حيث تلتزم هذه الصناديق بتوزيع أغلب العوائد الدورية على مالكي الوحدات في الصندوق.
في مسودة النظام الذي طرحته هيئة السوق المالية في السعودية ما نصه “ألا تقل قيمة استثمارات الصندوق في عقارات مطورة تطويرا إنشائيا تحقق دخلا تأجيريا ودوريا عما نسبته 75 في المائة من القيمة الإجمالية لأصول الصندوق”، وهذا بالتأكيد يخدم الهدف الأساسي للصندوق وهو الاستثمار العقاري الذي يعتمد على كلا العائدين وهما العوائد الدورية من الدخل وكذلك العوائد المتحققة من نمو قيمة العقار على المديين المتوسط والبعيد، وعند ذكر مصطلحي المدى المتوسط والبعيد حاليا في الاستثمار العقاري فهذا يعني أن يكون مدى الاستثمار ثلاث إلى خمس سنوات للمدى المتوسط وخمس إلى عشر سنوات على المدى البعيد، وهذا ما أظهره تقرير حديث عن التوجهات الحديثة في الاستثمار العقاري في منطقة آسيا والباسفيك لعام 2016 قام بإعداده معهد التطوير العمراني بالتعاون مع شركة الخدمات العقارية CBRE الذي أوضح أن 36 في المائة من مديري الصناديق الاستثمارية العقارية يفضلون الاحتفاظ بالعقارات على المدى المتوسط ثلاث إلى خمس سنوات، بينما يفضل 42.7 في المائة منهم الاحتفاظ بالعقارات على المدى البعيد خمس إلى عشر سنوات، وبالتالي فإن 78.7 في المائة ممن شملتهم الدراسة يحتفظون بالأصول العقارية في محافظهم في المدى ثلاث إلى عشر سنوات بالكثير، وذلك كي يتمكنوا من المحافظة على أدائهم من تقلبات الدورات الاقتصادية والعقارية، لأن توقع الأحداث يصبح أكثر ضبابية على المدى البعيد، وهذا المنطق لا شك أنه في حاجة إلى إدارة احترافية وعقول بشرية تقف خلفه لتوجهه التوجيه السليم، وهذا يوصلنا إلى أهمية التأهيل العلمي والمهني لمديري هذه الصناديق، ومحاولة تطوير المنظومة التعليمية والمهنية العقارية لكي نستطيع تأهيل المديرين المحترفين الذين يحسنون تنمية هذا النوع من الصناديق بشكل سليم ويحافظون على أموال المساهمين فيه وكذلك يخرجون بأفكار إبداعية ومنتجات مبتكرة تحتاج إليها سوق العقار على المدى البعيد، وما يدعم التوجه إلى إعادة النظر في ممارسات السوق الحالية على مستوى مشروع صناديق الاستثمار العقارية المتداولة هو منع الاستثمار التقليدي في الأراضي البيضاء، الذي لا يضيف أي قيمة اقتصادية تذكر، وهذا تأسيس لثقافة جديدة في الاستثمار العقاري هي رجوع الأرض إلى دورها الأساسي أن تكون عنصرا للإنتاج بدلا من سلعة للتداول.
ومما تضمنته مسودة المشروع كذلك أن على مدير الصندوق عند الرغبة في الطرح، تزويد الهيئة بمذكرة تفاهم بين مدير الصندوق وشركة إدارة الأملاك، لإدارة أملاك الصندوق، وهنا لا بد من التفريق بين إدارة الاستثمار العقاري وإدارة المرافق والأملاك العقارية، فالأولى تعنى بالجانب الاستثماري من حيث قرارات الاستحواذ ودراستها وكذلك البيع وجدواه وتوزيع المخاطر الاستثمارية بين أنواع الأصول العقارية المختلفة والمناطق الجغرافية وغيرها من المخاطر التي لا بد أن تؤخذ في الاعتبار، بينما إدارة المرافق والأملاك تهتم غالبا بالجانب الفني للأصل العقاري ومحاولة تحسينه وجعله جذابا للمستأجرين المستهدفين والمستثمرين، وذلك بتقليل العمر الافتراضي والاقتصادي للعقار، حيث يكون متجانسا مع معايير السوق بشكل مستمر، لذلك ما نحتاج إليه هو وجود شركات محترفة ومتخصصة في إدارة المرافق وتأهيلها برفع مستوى التعليم والاحترافية في المجال وجعله جاذبا لتوظيف الشباب السعودي.
الخلاصة، مشروع صناديق الاستثمار العقارية المتداولة من المتوقع أن يحمل في طياته عديدا من الفرص المستقبلية كأداة استثمارية عقارية فعالة موجهة إلى العقارات المدرة للدخل، ويتوقع أن تكون هذه الصناديق رافدا مهما من روافد الاستثمار، لذلك لا بد من تهيئة البيئة المناسبة له ليقوم بدوره على أكمل وجه، ومن أهم العوامل التي ستؤثر فيه سلبا أو إيجابا هي وجود العنصر البشري المؤهل والبيئة المرنة الجاذبة لرؤوس الأموال من خلال سرعة وكفاءة انتقال الملكية ودقة الإجراءات وحماية الملكية من خلال إنهاء إشكالات التداخل في الأملاك والصكوك المزدوجة بشكل أكثر كفاءة، كذلك لا بد من تطوير قطاع التمويل العقاري ومده بالكوادر المؤهلة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب لتمويل مثل هذه الصناديق، كما تعتبر الشفافية وتوافر المعلومات من مصادرها الرسمية أمرا مهما لكفاءة عمل هذه الصناديق لتتخذ قراراها بناء على معلومات صحيحة ومثبتة.