في بداية الشهر الحالي نظمت هيئة السوق المالية مؤتمرا بعنوان “أسواق الصكوك ـ التحديات والفرص”، من جملة المتحدثين في المؤتمر وزير الإسكان ماجد الحقيل، وأوضح الوزير ـ وفقا لوسائل الإعلام ـ أن هناك توجها لدى الوزارة لطرح أدوات تمويل عقاري تحفز السوق من أهمها الصكوك، التي من المفترض أن تبدأ في عام 2017، حيث لا تتجاوز قيمتها عشرة مليارات ريال، ثم تتدرج إلى 50 مليار ريال خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي هذا المقال سنستعرض فكرة صكوك الرهن العقاري السكني ومبدأها، ولا شك أن المطلع على أحداث الأزمة المالية العالمية الأخيرة يعرف أنها مرتبطة بالرهن العقاري وبالذات المشتقات المالية التي تم استخدام سندات الرهن العقاري كجزء منها، ولذلك سيتم توضيح أبرز المميزات والمخاطر لهذا النوع من الأدوات المالية وتأثيرها المباشر على سوقي العقار والمال في مقال لاحق ـ بإذن الله.
تعد الصكوك أحد أنواع الأوراق المالية التي تم استحداثها كبديل للسندات بحيث يراعى فيها الضوابط الشرعية في الاستثمار والتمويل، وتعرف صكوك الاستثمار وفقا لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بأنها، “وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص”، وهنا يتضح مبدأ الصكوك بأنها تمثل ملكية مشاعة إما في أصل أو في منفعة، وتعد صكوك الرهن العقاري بديلا منضبطا بضوابط الشرع الإسلامي لسندات الرهن العقاري mortgage ـ backed securities MBS ويتفرع منها سندات الرهن العقاري السكني المخصصة لإعادة تمويل العقارات السكنية، وكذلك سندات الرهن العقاري التجاري التي تختص بإعادة تمويل العقارات التجارية، وبرزت فكرة السندات في أسواق المال العالمية بشكلها الحديث في نهاية الثلاثينيات الميلادية، حينما تم إنشاء شركة إعادة التمويل الأمريكية فاني ماي Fannie Mae في عام 1938 أي بعد الكساد الكبير وذلك لمحاولة تنشيط وتحفيز سوق التمويل العقاري السكني، لذلك المبدأ الأساسي من وجود السوق الثانوية للرهن العقاري السكني هو إعادة تمويل الممولين، وذلك بتحويل التمويلات المدعومة برهون عقارية سكنية إلى أوراق مالية قابلة للاستثمار، وهذه الأوراق المالية تباع في السوق لمستثمرين غالبا من ذوي ملاءة مالية عالية مثل صناديق التقاعد والصناديق السيادية وشركات التأمين التي تفضل وجود استثمارات ذات مخاطر منخفضة في هيكلة محافظها وكذلك ذات عوائد شبه مضمونة تتمثل بالأقساط الشهرية التي سيدفعها طالب التمويل العقاري لحملة صكوك الرهن العقاري، وبهذا يتم تسييل التمويلات العقارية السكنية المبرمة في السوق وإعادة ضخها لسوق التمويل العقاري السكني من جديد ليتم تمويل دفعة أخرى من الراغبين في الحصول على تمويل عقاري لغرض تملك المسكن، وهذا بالطبع سيوفر سيولة دائمة في فترات متقاربة لسوق التمويل العقاري السكني، الذي بدوره سيحفز جهات التمويل على التوسع في هذا المجال، لأن السيولة التي تسخرها للتمويل السكني لن تكون مجمدة طوال مدة التمويل، وستتمكن من تسييلها وإعادة ضخها في السوق خلال فترة قصيرة.
من خلال ما تم استعراضه نجد أن دورة شركات إعادة التمويل العقاري ستكون مهمة في إدارة وضبط سوق التمويل العقاري السكني، وقد وضحت من اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري تفاصيل عمل هذه الشركات ونصت المادة الثامنة عشرة من اللائحة على أن صندوق الاستثمارات العامة أو أي جهة مملوكة له بالكامل تقوم بتأسيس”الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري”، وكذلك من الممكن إشراك جهات التمويل العقاري في ملكية الشركة لكن بعد مضي خمس سنوات بحيث لا تتجاوز ملكيتها 30 في المائة، كما أنه يمكن طرح الشركة للاكتتاب العام بشرط ألا تقل حصة صندوق الاستثمارات العامة أو الشركة المملوكة لها عن 51 في المائة.
الخلاصة، وجود شركة لإعادة التمويل العقاري يمثل الجسر الذي يربط سوقي العقار والمال بشكل مباشر، وهذه الخطوة تعد مهمة ولها عديد من المزايا أبرزها تنويع وسائل الاستثمار في السوق المالية السعودية وكذلك انخفاض تكلفة التمويل العقاري السكني، كذلك فهذا النشاط يمكن أن يعرض السوقين العقارية والمالية لمخاطر جسيمة تتمثل في المبالغة في ضخ السيولة نحو سوق المساكن، وبالتالي ارتفاع أسعارها بشكل مطرد خلال فترات قصيرة، وهذه الارتفاعات إذا صاحبها تساهل في إجراءات الإقراض سيؤدي إلى التعثر في السداد ودخول السوقين العقارية والمالية في إشكالية لا نتمنى وجودها، ولذلك أحد أهم الأمور التي تفتقدها السوق العقارية السعودية هي الشفافية والمعلومات الموثقة ومؤشر الأسعار التي تعد مهمة لمراقبة ومتابعة وضع السوق وهذا من شأنه سيخفف من إمكانية حدوث الآثار السلبية لإعادة التمويل على المديين المتوسط والبعيد، فمن دون معلومات وآليات رقابة واضحة ومباشرة للسوق بشكل دوري قصير المدى، فإن إعادة التمويل العقاري ستتحول إلى أداة تعمل عكس مصلحة سوق العقار السكني.