مسكن الفقراء مصطلح انتشر في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة بعد أن استوردت الفكرة من بريطانيا؛ وهي باختصار أن تتولى الحكومة السكن للمواطنين غير القادرين على دفع تكاليف السكن، مقابل أن يعمل هؤلاء المواطنون في المزارع مقابل السكن والأكل والشرب أي بحد الكفاف، وفي الوقت الحالي أطلق بعض المتخصصين في اقتصادات الإسكان مصطلح “مسكن الفقراء” على الأسر التي يلتهم الإيجار أو أقساط التمويل جل دخلهم الشهري، وبالتالي يعيشون حد الكفاف من خلال توفير المأكل والمشرب والملبس، حتى أنهم لا يستطيعون الاستمتاع بأوقاتهم أو الترفيه وذلك لعدم توافر النقد الكافي لهذه الأمور، وقد فصلت في هذه الحالة بمقال سابق بعنوان (منتج “مسكن الفقراء”) الذي أكدت فيه أهمية الموازنة بين دخل الأسرة وأسعار الوحدات السكنية، حيث لا يستقطع التمويل من دخل رب الأسرة أكثر من 30 في المائة، والواقع الحالي أن نسبة الاستقطاع للتمويل السكني تصل كمتوسط 60 في المائة، وقد ترتفع إلى 70 في المائة بسبب الارتفاعات الأخيرة في معدل السايبور الذي ترتب عليه رفع الأقساط على من حصل سابقا على تمويل سكني بنظام الإجارة، لكن ما علاقة مسكن الفقراء وحالتهم بما يدور حاليا من سياسات إعادة هيكلة الدعم مثل حساب المواطن؟
حساب المواطن من المفترض أن يحقق هدف توجيه الدعم للمستحقين والمحافظة على الطبقة المتوسطة من المجتمع التي يصفها مختصو السياسة الاقتصادية بشبكة الأمان للمجتمع، وهذا بلا شك هدف نبيل ولا يختلف أحد على أهميته، لكن أكثر ما يخشاه من تحدث عن البرنامج بنقد موضوعي هو أن يتم التشديد فيه وتضييق الخناق على الشريحة المستهدفة بالدعم ومحاولة تقليصه قدر المستطاع بمبرر أو بغير مبرر، وإدخال المواطن في سلسلة من الإجراءات المعقدة والتفاصيل المملة التي تجعل من هذه المعونة المالية عبئا ثقيلا نفسيا ومعنويا حتى يستطيع إثبات كل شيء وضعه من معلومات، حتى لو لم يكن الأمر بيده وكان التأخير من جهات حكومية أخرى لم تزوده بالأوراق أو المستندات المطلوبة، والأمر الآخر الذي يخشاه الكثير هو محاولة التدقيق غير المبرر في مصادر الدخل ومحاولة احتساب ما ينبغي عدم حسابه في دخل الأسرة، فكلنا يعلم أن رب الأسرة هو المسؤول شرعا عن توفير الأساسيات في المنزل حتى إن كانت المرأة تعمل فإحدى دعائم القوامة لرب الأسرة الإنفاق، ولذلك ينبغي ألا يتم إدخال ما يجنيه بقية أفراد الأسرة ضمن دخل رب الأسرة لأنه مكلف بالصرف عليهم وفق إمكاناته، والأمر الآخر المهم هو اعتبار الدخل الحقيقي بعد معرفة الالتزامات، خاصة تلكم التي تعتبر أساسية، فمثلا التمويل السكني الذي ذكرت سابقا أنه قد يستقطع ما يصل إلى 70 في المائة من الدخل الشهري ويشكل عبئا ماليا كبيرا على رب الأسرة، وبالتالي حتى لو كان دخله يصل إلى 20 ألف ريال مثلا وحجم أسرته هو متوسط حجم الأسرة السعودية ستة أشخاص، فنحن نتحدث عن ستة آلاف ريال فقط تبقى ليصرف فيها على ستة أشخاص بما يشمل مأكلهم ومشربهم وملبسهم وصحتهم وفواتير الخدمات الأساسية إلى آخر القائمة من الأساسيات وليس الكماليات، وفي حال رفع الدعم ستكون المبالغ المتبقية لا تكاد تفي حتى بالأساسيات، وهنا سيظهر لدينا مسكن الفقراء أي الأسر التي التزمت بتمويل سكني يستهلك أغلب دخلها ثم سيقوم رفع الدعم بزيادة المعاناة ليكون رب الأسرة محاصرا بين التخلي عن تمويله السكني الذي جعل معيشته في ضيق وهم بدلا من أن يمثل له السكن مصدرا للاستقرار والطمأنينة وبالتالي الإنتاج والعمل ونفع المجتمع والوطن.
الخلاصة، لا بد أن يؤخذ الدخل الصافي الذي يحصل عليه المواطن بعين الاعتبار عند تحديد شرائح الدعم لحساب المواطن وأعتقد أن أهم ما يجب أن يوضع في الحسبان هو التمويل السكني لمن لديه التزام مسبق ولم يحصل على دعم سكني من الحكومة، فهذا المجتهد الذي أخذ تمويلا سكنيا بأسعار مساكن مرتفعة قبل سنتين أو ثلاث وبنسبة استقطاع عالية من الراتب ولم يحصل على أي دعم سكني حكومي، وضع حساباته المعيشية بافتراض أن الدعم السابق للكهرباء والماء والبنزين وغيرها من الأساسيات سيستمر، كذلك لم يكن يتوقع أن الترقيات والزيادات والبدلات ستتوقف في القطاع العام، وأن القطاع الخاص سيعاني الضرائب والرسوم وتأخر صرف المستحقات، وبالتالي دخله الشهري الذي أخذ عليه التمويل غالبا سيبقى كما هو إن لم ينقص خلال الفترة المقبلة، لذلك من المهم مراعاة ظروف هذه الأسر والتأكد من أنها لا تعاني في معيشتها وحياتها اليومية باجتهادها لتملك المسكن من خلال التمويل للسنوات السابقة القريبة، ويجب أن تتضح الصورة وتبسط المسألة ويكون الدعم شاملا قدر المستطاع لكيلا نجعل فكرة رفع الدعم ترعب أصحاب الدخول المتوسطة، حيث يفكرون في إلغاء التمويل السكني الذي حصلوا عليه، لأن هذا سيؤدي إلى عدم الاستقرار في النظام المالي والمصرفي.
19 فبراير 2017