ذكرت في المقال السابق بعض الإيجابيات لقرار تحويل صندوق التنمية العقاري المواطنين إلى جهات التمويل العقاري، وتحمل الصندوق أرباح التمويل بدلا من تحمله المبلغ الأساسي وهو 500 ألف ريال، لكن في المقابل هناك عديد من الإشكالات المؤثرة التي كان من الواجب إيجاد الحلول المناسبة لها قبل قرار التحويل، وتتلخص في إيجاد المنتجات والبرامج المدعومة لمنخفضي الدخل من المواطنين الذين لا يستطيعون من خلال رواتبهم الحصول على مبلغ شراء سكن يتوافق مع حجم العائلة، مع الأخذ في الاعتبارات الالتزامات المالية الأخرى للأساسيات، والأخذ في الاعتبار عدم قبول كثير من المواطنين الذين يعملون في جهات القطاع من المنشآت المتوسطة والصغيرة، كما أن الدور الأساسي للصندوق هو تمويل البناء لمن لديه أرض سكنية، وهذا الأمر ليس متوافرا في أغلب جهات التمويل حاليا، والأهم من ذلك كله أنه لا يوجد لدينا نظام وبرامج للتأهيل المهني في وساطة التمويل السكني الذي يعتبر أساسا في ضمان حقوق الراغب في التمويل.
كان لزاما على صندوق التنمية العقاري أن يغطي الإشكالات التي منعت جهات التمويل العقاري من التوسع في الإقراض عندما كانت الأسعار مناسبة، فكثير من أصحاب الدخل المنخفض لن يستطيع في الأساس أن يحصل على الموافقة لتمويل سكني، وإن حصل على موافقة فلن يستطيع من خلال مبلغ التمويل الذي يعتمد أساسا على دخله من أن يشتري وحدة سكنية تتناسب مع أسعار المساكن حاليا، ولا سيما في المدن التي يسكنها 83 في المائة من سكان المملكة، لذلك كان من الواجب أن يقوم الصندوق بإيجاد آلية دعم لهؤلاء قبل أن يحولهم إلى جهات التمويل التي لا تراعي هذه الظروف ولا تنظر للأمور بنظرة تنموية، توطن من خلالها استقرار الأسر والمجتمع، وهذا هو الدور المطلوب من الصندوق.
الأمر الآخر أن هناك معاناة من كثير من السعوديين العاملين في القطاع الخاص ولا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة أن جهات التمويل لا تعترف في الأصل بمنشآتهم التي يعملون فيها، ولذلك حتى إن كانت رواتبهم جيدة فهم خارج نطاق اهتمام الجهات التمويلية، وهذا الأمر ظاهر من خلال تفضيل جهات التمويل لموظفي الحكومة والشركات الكبرى في القطاع الخاص لتمويلهم، وهذا الأمر يشكل ضررا من جهتين أولاهما خروج شريحة ليست بالهينة من الدعم المستحق للتمويل السكني، وثانيتهما عدم تشجيع السعوديين على العمل في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وضعف وجود الحوافز أن يقوم المواطن بإنشاء عمله الخاص، لأن ذلك سيفقده ميزة الدعم السكني الذي يعتبر أمرا مهما لأي شخص يرغب في الاستقرار، كما أن ذلك يتعارض مع توجه الحكومة، التي أوجدت الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإتاحة الفرصة للشباب السعودي لبدء عملهم الخاص والانطلاق في ريادة الأعمال، كذلك من الإشكالات أن العمل الأساسي للصندوق كان تمويل من يملك الأرض ليقوم ببنائها، ولذلك من المستغرب أن يحول الصندوق المواطنين إلى جهات التمويل ولا يتوافر لديها المنتج الأساسي الذي يؤدي الغرض الأساسي لمجال عمل الصندوق، وأخيرا هناك ضعف شديد في التأهيل المهني لوسطاء التمويل السكني، وهي مهنة معتمدة في الدول المتقدمة، يقوم من خلالها الوسيط بإيجاد أفضل العروض وإيضاح جميع تفاصيل التمويل السكني للراغب في التمويل، وقد أولت الحكومات أهمية لتنظيم الأمر نظرا لأن القرار للتمويل السكني يعد من أهم وأكبر القرارات المالية التي يتخذها رب الأسرة، ولذلك لا بد من تهيئة قطاع التمويل السكني ورفع احترافيته ليقوم بدوره نحو الراغبين في التمويل ولتتضح لهم جميع التفاصيل قبل الإقبال على أي قرار يخص التمويل السكني.
الخلاصة، على صندوق التنمية العقاري أن يعيد النظر في قرار التحويل حتى يتم حل جميع الإشكالات التي واجهت أو ستواجه المواطنين الراغبين في بناء منازلهم والاستقرار، وكذلك الراغبين في شراء المساكن بدعم حكومي كان تاما وميسرا، وأصبح أكثر تعقيدا وصعوبة، بسبب ضعف البنية التحتية لقطاع التمويل السكني، الذي لم يسخر سوى 23 في المائة للتمويل السكني من إجمالي محفظته التمويلية الموجهة للأفراد خلال السنوات الماضية، وأن تسعى إدارة الصندوق إلى حل الإشكالات التي تعد عقبة مهمة للراغبين في التمويل من ذوي الدخل المنخفض، وكذلك العاملين في القطاع الخاص في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكذلك لا بد من إيجاد منتجات تتيح لأصحاب الأرض من المواطنين بناء مساكنهم الخاصة.
وأخيرًا لا بد من تأهيل موظفي جهات التمويل الذين يستقبلون المواطنين المحولين من الصندوق، حيث تكون لديهم الدراية الكافية والمعرفة اللازمة لتوضيح جميع المنتجات والصيغ التمويلية مع ذكر أضرار وفوائد كل منها بكل شفافية، لأنهم يعتبرون مسؤولين أمام الدولة ممثلة في الصندوق بتقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة التي تجعل المواطن يتخذ قرارا بوضوح وبكل يسر وسهولة، كما أن الإبقاء على الدعم من خلال تحمل تكاليف التمويل على المواطن لا بد أن يكون من أولويات الصندوق، حتى لا ينقض أهم ميزة له وهو القرض الحسن.