كانت الغيوم تنساب على الهضبة المقابلة للتلة التي أقف عليها، السماء قد أمطرت منذ قليل ورائحة النباتات تداعب الوجدان، الأشجار المتداخلة تغطي تضاريس التلال، إنها قرية صغيرة توقفت عندها قليلا أثناء تجولي في جبال قضاء البترون اللبنانية في خريف عام 2008. لمحنا عن قرب يافطة مكتوب عليها عقار للبيع، فجذبنا الفضول لنعرف سعر هذه الأرض الشاعرية.
اتصل صديقي اللبناني على الرقم الموجود وطلب من المجيب أن يعرف سعر الأرض، فاقترح المجيب الذي تبين أنه سمسار أن يأتي فورا إلى موقع الأرض للحديث معنا.
وماهي إلا دقائق حتى وصل إلينا، وعندما نظرإلي أدركت أنه فوجىء برؤيتي. لم يكن السمسار يعرف أن الاهتمام في معرفة سعر الأرض من شخص خليجي ومسلم!! فقال «مين بدو يشتري الأرض؟».
فأجبته باهتمامي بها، فقال دون تردد «لأ مافيني بيعك الأرض أنت مسلم والأراضي هون بس للمسيحيين».
القانون اللبناني لا يمنع بيع الأراضي لديانات معينة، ولكن الأعراف التي رسمتها أقلام الحرب الأهلية اللبنانية فرضت محاذير عامه أتفهمها بشكل كبير.
عندما تدب الصراعات الدينية والطائفية في أي دولة، فإن ذلك يؤثر على التجمعات السكنية ويتجه الأهالي للسكن بالقرب من التكتلات السكنية التي تنتمي لها دينيا وتصطبغ الأحياء بصبغة سكانها، يوغوسلافيا تقسمت عرقيا ودينيا، والهند تمزقت أحشاؤها بسبب النزاعات الدينية، وانتقل المسلمون إلى الهند الغربية والهند الشرقية (باكستان وبنغلادش)، وانتقل الهندوس والسيخ في الإتجاه المعاكس، وأيرلندا الكاثوليكية خاضت حروبا لعشرات السنين ضد بريطانيا بسبب سياسة الاحتلال البروتستانتي فيها، والآن بلفاست تعيش منقسمة جغرافيا بين أحياء الكاثوليك وأحياء البروتستانت.
لا يمكن للمستثمر العقاري في العقار أن يغفل أثر وأبعاد هذه الانقسامات الدينية في حساباته المالية أو خطته التسويقية، فهذه الانقسامات تؤثر بشكل كبير في تداول العقار.
فتلك المناطق محكومة من قبل طائفة معينة، أو ديانة معينة، وهذا من شأنه تعقيد عملية بيع العقار للآخرين واحتكار سوق البيع في فئة محددة.
في الولايات المتحدة يتجنب ذوو البشرة البيضاء شراء العقارات في المناطق التي يكثر فيها ذوو البشرة السوداء، وتطور هذا الانشقاق العرقي إلى انشقاق طبقي، وانعكس هذا بشكل كبير على مستوى المعيشة ومستوى الخدمات العامه ومعدلات الجريمة في كلا الطرفين وأثر هذا بشكل كبير على جودة الاستثمار العقاري وأسعاره وسيولته.
الخاتمة
لا يمكن للمستثمر المحترف في العقار الدولي أن يخطو خطوة استثمارية في أي مدينة من دون دراسة ديموغرافيا المدينة بشكل جيد، والتعرف على التركيبة السكانية، والتعدد الديني فيها والحساسسيات المذهبية فيها، أو العرقية وخلافه، لأن تلك القضايا تلعب دورا حيويا وحساسا في سعر العقار وعوائده وسرعة بيعه عند الرغبة في ذلك.