مشاركة القطاع العقاري الخاص في مشروعات السكن الحكومية، هي بمثابة اعتراف من وزارة الإسكان بقدرات هذا القطاع وإمكاناته وخبراته التي يمكن الاستعانة بها والاستفادة منها في حل أزمة السكن في المملكة العربية السعودية. وتشير التوقعات إلى أن استعانة وزارة الإسكان أخيراً بشركات التطوير العقاري لإنجاز مشروعات السكن، بمثابة فرصة حقيقية أمام تلك الشركات، لتعزيز مكانتها في القطاع، وتأكيد نجاحاتها، إلى جانب تنمية مشروعاتها بعد فترة من الهدوء التي سيطرت على قطاع العقار خلال السنوات الأربع الماضية، وكانت الاستراتيجية القديمة التي اعتمدتها وزارة الإسكان، منذ نشأتها قبل نحو أربع سنوات تميل إلى قيام الوزارة بكافة الأعمال والمهام في مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية في مناطق المملكة، الذي خصصت له الحكومة ميزانية مقدراها 250 مليار ريال، في خطوة من الدولة للقضاء على مشكلة السكن في المملكة، وتمكين المواطنين من امتلاك سكن خاص، يعفيهم من بند الإيجار الذي يقضي على 30 في المئة من دخل الأسرة السعودية.
وتعاقدت الوزارة مع شركات تطوير عقاري أجنبية، وشركات مقاولات واستشارات هندسية، لتنفيذ المشروع، كما تعاملت الوزارة مباشرة مع المواطنين من مستحقي السكن، وفحصت ملفاتهم، بالتعاون مع عدة جهات حكومية، لتحديد من يستحق الدعم السكني أولا، وهو الأمر الذي زاد من أعباء الوزارة، وجعلها تلعب بجانب دورها كوزارة، دور المطور العقاري والمقاول والباحث الاجتماعي.
ورفضت وزارة الإسكان في بداية عملها على أرض الواقع، الاستعانة بشركات التطوير العقاري السعودية، وفضلت عليها الشركات الأجنبية، التي رأت في مشروع ال500 ألف وحدة فرصة كبيرة لإنعاش أعمالها ومشروعاتها على حساب الشركات السعودية، بيد أن استراتيجية الوزارة اصطدمت بانتقادات ومطالب عدة من المختصين والعقاريين أنفسهم، دعت الوزارة إلى وقف التعامل مع الشركات الأجنبية، والاستعانة بشركات التطوير العقاري السعودية، لما تمتلكه من خبرات وإمكانات ضخمة، تمكنها من المشاركة في مشروعات السكن الحكومية.
الجمود القسري
وقد عانى عدد من شركات التطوير العقاري جراء هذه الاستراتيجية بالركود والجمود القسري، بسبب توجه غالبية المواطنين نحو وزارة الإسكان، للحصول على منتجات عقارية منها، بأسعار مناسبة، وبتسهيلات كبرى في السداد، مقارنة بما كان عليه الوضع في المنتجات العقارية التي كانت تطرحها شركات التطوير العقاري، إذ كانت مرتفعة السعر، وتحتاج إلى قروض بنكية بنسبة فوائد مرتفعة.
وزاد من تأزيم الأمر أمام شركات التطوير العقاري، تعهدات وزارة الإسكان عقب تأسيسها بتوفير السكن المناسب لجميع المواطنين المحتاجين للدعم السكني، والعمل على تخفيض أسعار المنتجات العقارية في الأسواق، وعلى رأسها منتج الأراضي البيضاء، التي بلغت ذروة ارتفاعها قبيل تأسيس وزارة الإسكان. وهو الأمر الذي شكت منه شركات التطوير العقاري، وأكدت آنذاك أنه أضرها وضربها في مقتل، وقد يهدد استثمارات القطاع العقاري التي تلامس تريليوني ريال.
مشروعات السكن
وقبل نحو عام، قررت وزارة الإسكان تغيير ملامح استراتيجيتها القديمة، بأخرى حديثة، تستعين فيها بشركات التطوير العقاري السعودية، لتنفيذ مشروعات السكن الحكومية، ووفرت الوزارة لتلك الشركات الأراضي البيضاء، ومنحتها المزيد من الصلاحيات لتنفيذ مشروعات السكن، والتعامل المباشر مع مستحقي الدعم السكني، ومنحهم المنتجات العقارية داخل المشروعات التي تتولى تنفيذها، وهو الأمر الذي خفف من الضغط على وزارة الإسكان، التي كانت تقوم بكل هذه المهام منفردة، في بداية عملها.
وحددت الوزارة لشركات التطوير العقاري حزمة من الشروط الفنية والهندسية، وطلبت منها الالتزام بها في تنفيذ مشروعات السكن، حتى يتم إدراجها ضمن منتجات الدعم السكني، وفقاً لما أوردتة صحيفة الرياض .
ويرى مختصون أن مشاركة القطاع الخاص في مشروعات السكن الحكومية، جاءت متأخرة بعض الشيء، ولكنها جاءت في وقت مناسب للغاية لهذا القطاع، الذي بدأ يعاني من ركود العمل في بعض مشروعاته، وتراجع أنشطته بسبب إقبال المواطنين على مشروعات السكن الحكومية، وتركهم لمنتجات القطاع الخاص. ويؤكدون أن القطاع الخاص يدرك تماما أنه أمام اختبار حقيقي لإثبات ذاته وإمكاناته في مشروعات السكن الحكومية، والتأكيد لمن يهمه الأمر على أنه الوزارة لم تكن مخطئة عندما فكرت في الاستعانة به.
وتشير التوقعات إلى أن مشروعات السكن بدأت تُحدث تأثيراً إيجابياً في شركات التطوير العقاري، بعودة وتيرة العمل إليها مجدداً، بعد فترة من الركود. وتؤكد التوقعات نفسها أن القطاع العقاري مقبل على طفرة عقارية حقيقية، بفعل مشروعات السكن، وتوجه الدولة وحرصها على حل مشكلة السكن في أسرع وقت ممكن، حتى لا تتفاقم، مؤكدين أن تخصيص ميزانية قوامها 250 مليار ريال لمشروعات السكن، كفيل بإنعاش القطاع العقاري وإحداث الطفرة المتوقعة.