في بیتك من السرور بقدر ما فیھ من السماء. توجیھ من الأقدمین عند تشیید المساكن، نجده معمولا به في العدید من المدن العربیَّة والإسلامیَّة التراثیَّة، وكذا في المساكن والقصور في المغرب الكبیر ومدن إقلیم الأندلس الإسبانیَّة.
مساكن وقصور حافظت على أصالتھا وما تزال شاھدة على الزمن الجمیل، تُبھر محترفي الھندسة والتصمیم وعشاق الجمال العمراني، على الرغم من مرور مئات السنین على تشییدھا. تجد نفسك، وأنت ً تدخل تلك القصور، أو المساكن التي تصلھا مارا بین أزقَة ملتویة، وحارات ضیَّقة، واقفًا أمام فناء رحیب تتوسطه بركة تتدفَّق منھا المیاه، وتحیط به غرف واسعة وأشجار باسقة وعرائش. بیوت بمحتویاتھا على سعتھا وتنسیقھا، ملبِّیة متطلبات الصحة والراحة.
في الفناء والصالة، كان یجلس كبیر العائلة مع الأبناء والأحفاد، جمیعھم تحت سقف واحد. في ذلك إتاحة للعائلة القاطنة ضمن جدرانھ المغلقة على الخارج؛ باستثناء بوابَّة الدخول، متعة الانفراد بحیاتھا وخصوصیَاتھا دون تنصت الجیران على ما یدور بین أفرادھا من حدیث.
وھذا ما لا یتوفَّر لقاطني الشقق الإسمنتیَّة الحدیثة في الأبنیة المشتركة متعددة الطوابق، والأبراج العالیة التي یروج إعمارھا في مدننا العربیَّة والإسلامیَّة.
تُذكرني ھذه المباني الإسمنتیَّ ِ ة والأبراج التي تشبھ في تصمیمھا ناطحات السحاب؛ بطفولة ِ العدید منَّا عندما َلما كنَّا نُشاھده في السینما عندما كنا نجمع علب الكبریت الفارغة لنرصھا فوق بعضھا على شكل أبراج تُماثِل ما كنا نشاهدة في السينما من مجمعات وأبراج سكنیَّة في مدن الغرب، ترتفع إلى عنان السماء متلاصقة، حتَّى لیُخیَّل للناظر إلیھا عن بُعد مصافحة سكان الأبراج المتقابلة بعضھم بعضا عبر نوافذ الشقق المفتوحة على الخارج، لتُسرب الضوء وحرارة الشمس إلیھا، ومناجاة القمر أو الشمس من نوافذھا.
الیابانیَّون من أكثر الشعوب حرصًا على إتاحة دخول ضوء الشمس والقمر لكل مسكن فوق أراضیھا، لإدخال الفرح والسرور على س َّكانھا. ولا یخلو مسكن مھما ضاقت مساحتھ من فسحة ولو صغیرة لحدیقة یابانیَّة الطراز، فیھا شجیرات مقزمة حول بركة وجدول میاه جاریة.
وفي حالة رغبة أحدھم بناء مسكن جدید، علیه الحصول على موافقة الجیران مقدًمًا بعد إطلاعھم على تصمیم البناء، لیتأكدوا من أنَّھ لن یحرمھم من فسحة السماء وضوء الشمس والقمر، ولا من رؤیة لحدیقة أو معبد أو نصب تذكاري.
وفي حال تسبّب البناء في حرمانھم من میزة من تلك المیزات أو بعضھا، علیه إرضاءھم بتعویض مالي مقابل فقدان منازلھم میزاتھا
في سلوك الیابانیِّین، ھذا احترام للجار وحقوقھ، ویتوافق مع قول یُعزى لرسولنا الكریم علیھ الصلاة والسلام: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
َ ما أجمل بلدنا وھي تُجدد بنیانھا؛ أن نُخطط لأحیاء سكنیَّة حدیثة تتوفَّر في مساكنھا الخصوصیَّةُ وحریَّةُ الحركة والتمتُّع بفسحتھا الداخلیَّ ُ ة، وقد شجرت ونبتت فیھا الزھور والورود وشجیرات النخل والفاكھة لتعمھا الخصوصیَّة والفرح والسرور كل من فیھا، ویحول بینھم وبین تطفُّل آخرین على حیاتھم داخل مساكنھم، المؤمن بیتُه.