يعقد المواطنون آمالا كبيرة على استراتيجية الإسكان المزمع إعلانها في هذا الربع الذي شارف شهره الأول على الانتهاء في حلحلة واحدة من أعقد المشاكل، بعد أن فقد كثير منهم آماله وفرصته في الحصول على التمويل المدعوم الذي لا تقل شروطه صعوبة وتعقيدا عن التمويل العقاري الذي تقدمه البنوك.
الآمال أن تكون هذه الاستراتيجية خارطة طريق للخروج من متاهة تعدد الخطط والآليات وتغييرها بين الحين والآخر، وأن تعيد العمل بنظام صندوق التنمية العقاري التقليدي مع بعض التغيير في آلية السداد وقيمة الأقساط الشهرية وفقا لحجم الدخل الفردي، وألا تساوي بين ذوي الدخل المرتفع والدخل المتوسط والدخل الضعيف، وأن تقدم حلولا واقعية تتناسب مع قدرات المواطنين المالية، بعد أن فشلت الوزارة في تقديم حلول واقعية وعقلانية تتناسب مع قدرات المواطنين المالية، علاوة على أنها لم تأخذ في حسبانها فترات الانتظار التي وصلت في بعض الحالات إلى 15 عاما قبل صدور كثير من قراراتها وآلياتها.
لذلك لا يزال الحديث عن أعداد المستفيدين الفعليين من هذه البرامج بعد مضي نحو خمسة أشهر منذ إعلان الدفعة الأولى في فبراير الماضي طي الكتمان، ومن غير المعقول ألا يكون لدى الوزارة أي معلومات حول عدد الذين تمت الموافقة النهائية لهم، وعدد الذين تم رفض طلباتهم أو وافقت البنوك على منحهم قروضا ضعيفة جدا لا تكفي لبناء جدار أو مستودع تجاري بما يتناقض مع مبدأ الشفافية الذي بشر به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عند إطلاق برنامج التحول الوطني.
الحقيقة التي يمكن استنتاجها مما سبق أن لدى وزارة الإسكان مشكلة مع الإحصائيات الرقمية، فهي أمام حالتين، الأولى: أنها تمتلك الإحصائيات لكن هذه الإحصائيات مخجلة ولا تريد كشفها كي لا تحرج نفسها، والثانية تتمثل في عدم توفر الإحصائيات لديها، وأن دورها يتوقف فقط عند إعلان الدفعات وتحويل المستفيدين إلى البنوك، وترك المستفيدين يواجهون مصيرهم دون متابعة، وهي مصيبة أعظم وأشد من الأولى.
النقطة الأهم أن الأرقام التي غيبتها وزارة الإسكان تعد مؤشرا أوليا يمكن الحكم من خلاله على مدى نجاح خطط وزارة الإسكان من عدمه، وست دفعات كافية للحكم على نجاح البرنامج من عدمه؛ لأن معيار النجاح فيه يتوقف على عاملين، هما حجم الإقبال على البرنامج، وعدد المستفيدين فعليا من البرنامج، وهو ما يفترض أن تعلنهما الوزارة، لكن ذلك لم يحدث.
المعلومات المتوفرة، والتي لا تريد الوزارة ذكرها، تشير إلى أن بعض المتقدمين للبنوك تلقوا ردودا مبدئية بأنه لا توجد آلية متفق عليها مع وزارة الإسكان أو الصندوق حتى الآن، ولا يزال هناك اجتماعات متواصلة وأن الشروط تتغير من اجتماع لآخر، ووفقا لحسابات البنك وآلياته فإن القرض الذي سيقدم لهم لن يتجاوز 200 ألف ريال، والبعض الآخر رفضت البنوك إقراضه.
على أية حال، عدم الإعلان عن عدد المستفيدين، والتأخر في الحصول على الموافقات، وعدم وجود آلية متفق عليها مع البنوك وشركات التمويل تتنافى مع ما بشرت به الوزارة من تسهيل حصول المواطنين على السكن، كما أنه يوحي أن هناك خللا ما لا تريد الوزارة كشفه وإعلانه، وأنها تعقد آمالا كبيرة على الاستراتيجية المزمع إعلانها لإنقاذها من ورطتها الحالية، وكل الآمال ألا تولد الاستراتيجية المقبلة مشوهة، وتموت لحظتها كما هو الحال في برامج الوزارة
الحالية.