تواصُل الجهات الرسمية مع الإعلام والأطراف ذات العلاقة عند صدور أي نظام ولوائحه أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأن الإيضاحات تساعد على تنفيذ النظام والوصول لأهدافه بتعاون من الجميع. ومؤخرًا قام المدير العام لرسوم الأراضي بوزارة الإسكان بالعديد من اللقاءات عبر طرق متنوعة، منها في مقار الغرف التجارية بالمدن المستهدفة بالمرحلة الحالية للرسوم؛ لشرح النظام واللائحة وخطوات التنفيذ، ودورهم بوصفهم إدارة مسؤولة عن الرسوم. ولكن هناك نقاطًا ذكرها في تصريحاته، تستوجب الوقوف عندها لأهميتها في تحديد مدى قدرة الرسوم فعليًّا على زيادة عرض الأراضي بالسرعة المأمولة لرفع نسب التملك للسكن؛ كونه الهدف العريض والأساسي لتطبيق الرسوم.
فأول نقطة يجب الوقوف عندها قوله إنهم يتوقعون أن تصل الاعتراضات على التثمين إلى 95 في المئة من إجمالي مَن سيشملهم النظام بالمرحلة الأولى، وهم شريحة عشرة آلاف متر مربع وأكثر من الأراضي الخام. فأول سؤال يُطرح: إذا كنتم تتوقعون هذه النسبة شبه المطلقة من الاعتراضات إذن هناك خلل جوهري تتوقعونه، إما بطريقة التثمين أو بأساس تحديد النظام لنسبة 2.5 في المئة من قيمة الأرض بدلاً من مبلغ مقطوع على المتر الواحد، وبحسب موقع الأرض ونوعها (تجارية سكنية أو سكنية.. إلخ). فالاعتراضات بحجمها الكبير المتوقع تعني تأخيرًا واسعًا لرفع نسبة العرض من الأراضي؛ لأن انتهاء الاعتراض سيأخذ وقتًا، وقد يصل بمرحلة ما إلى رفع دعاوى ومنازعات، ستتأخر معها أعمال التطوير التي يُفترض أن تصل بالمنتج النهائي للسوق، وترفع العرض. كما أنه قبل كل ذلك لماذا يتم إعلان هذا التوقع للاعتراضات؟ هل هو لوضع أعذار مسبقة إذا لم يحقق نظام الرسوم هدفه بزيادة العرض ومنع الاحتكار كما هو معلن لأهدافه؟ فاللوم سيكون حقيقة على اللائحة، وليس النظام الذي كان كافيًا ووافيًا للمتطلبات الرئيسية التي تخدم تحقيق الهدف والغاية منه؛ لأنه بُني على شموليته للأراضي السكنية والتجارية السكنية كافة في المناطق الحضرية، ولكل المساحات دون استثناء.
أما النقطة الأخرى التي ذُكرت بتصريحات مدير رسوم الأراضي فهي أنه لا توجد استثناءات بتطبيق الرسوم، وهي حقيقة مذكورة بالنظام صراحة ونصًّا؛ فالتذكير بها لا مبرر له إلا في سياق الإجابات عن أسئلة من المشاركين بلقاءاتهم، لكن ما يجعل السؤال عن الاستثناءات مبررًا ومنطقيًّا، والذي نأمل من الوزارة الإجابة عنه بوضوح، هو: لماذا لم تبدأ أول مرحلة للرسوم على الأراضي المطورة التي مضى على اعتمادها سنوات وما زالت محجوبة عن السوق؟ ألا تغذي العرض فورًا، وتساهم في حل أزمة العرض؟ فلماذا تبدأ بأراضٍ خام، سيتطلب تطويرها فترات طويلة، تؤخر وصولها للمستهلك، بخلاف الاعتراضات التي تتوقعها الوزارة عليها عند تثمينها؟ ألا يُعد ذلك استثناء لأراضٍ جاهزة للسوق؟ بل لن يعترض أحد على تثمينها؛ لأن الكل سيتسابق لعرضها وبيعها، وسيستفيد منها السوق فورًا؛ لأنها جاهزة للاستفادة منها، وليس كالأراضي الخام التي لو بيعت فمساحاتها ضخمة، ولن يشتريها إلا تجار وأثرياء. فطالبو السكن يستهدفون مساحات بمئات الأمتار، وليس بالآلاف والملايين من الأمتار، كما أن الاستثناء الآخر – إن صح تصنيفه بهذا الوصف – لماذا لم يعتمد النطاق العمراني للمدن التي استُهدفت بالرسوم وفق المخطط التنموي الشامل لكل مدينة؟ ألم تخرج مساحات مهمة من النطاق الذي اعتُمد، يمكن أن تساهم بحل مشكلة العرض بسهولة؛ كونها محاطة بمبانٍ ومرافق، وخدماتها جاهزة؟ فكيف تم تحديد النطاق من قِبل وزارة الإسكان؟ والسؤال الأخير: ذكر أن الأراضي الزراعية لا يشملها الرسم، فهل وضعت ترتيبات لمنع تحويل أرض سكنية لزراعية أو العكس بشكل قاطع لا استثناء فيه؟ وإذا ثبت أن أرضًا سكنية حُوّلت لزراعية، وبعد سنوات طلب تحويلها لسكنية، فهل ستُمنع أو يُطبق عليها نظام الرسوم منذ صدوره عام 2016م حتى يُمنع أي تحايل على النظام؟
نظام الرسوم يُعد إحدى ركائز حلول الإسكان الرئيسية، وتطبيقه وفق ما يحقق أهدافه يتطلب تفصيلاً لإجراءاته وآليات التحفيز لتطوير الأراضي، وكذلك العقوبات والغرامات على موقع الوزارة بتفصيل شامل ووافٍ لكل خطوة. فالمهم للمواطن وصول المنتج النهائي له بما يناسب أسرته ودخله، ولا يعنيه تفاصيل الإجراءات. فالإسكان هو صلب التنمية بأي اقتصاد، ويقوم على المبادرات التشجيعية للمطور والمالك وللمستهلك، بما يضمن عدالة الأسعار، ويدعم المواطن والأسرة بتحسين أوضاعها الاقتصادية، ورفع حجم ثروتها بتملك أصل عيني أساسي لهم مع الاستقرار الاجتماعي. والقطاع الخاص يحتاج لإجراءات وتسهيلات عملية متعددة، وليس التلويح بالعقوبات قبل طرح المزايا المشجعة على زيادة العرض للأراضي والمساكن. فما يريده المواطن منتج سكني مناسب، ولن يعنيه كل ما يسمعه من تصريحات أو إجراءات؛ فهي عمل الوزارة، وليس من مسؤولياته.