قدَّم صندوق التنمية العقاري منذ تأسيسه قبل أربعة عقود دورًا تنمويًّا كبيرًا وفق الآليات السابقة التي كان يعتمدها بالتمويل المباشر منه للمستحقين؛ فحجم المساكن التي مولها تعادل قرابة 30 %من حجم المساكن بالمملكة تقريبًا، لكن آليات الإقراض تغيرت، وأصبحت أكثر تعقيدًا؛ ما سيعني تقليصًا كبيرًا لدور الصندوق في تمويل تملُّك السكن للأفراد مستقبلاً.
يبلغ رأس مال الصندوق نحو 190 مليار ريال، وقد تم دعم الصندوق بأكثر من ستين مليار ريال منذ العام 2011م. دُعِّم رأس ماله لكنَّ تغيرًا كبيرًا طرأ على شروط الإقراض، غيَّر من دور الصندوق ومن الاستفادة منه؛ فقد كانت مزايا الإقراض تتركز بشكل أساسي على منح الصندوق قروضًا خاصة طويلة الأجل وبدون فوائد للمواطنين السعوديين؛ وذلك بهدف مساعدتهم على بناء وحدات سكنية تسدد على مدى (25) عامًا، مع فترة سماح لعامين بأول فترة القرض، ومن يلتزم بالسداد يعطى محفزًا بخصم 20 %من قيمة القرض؛ ما يمثل دعمًا كبيرًا للأسر بتملك السكن.
ومن المؤكد أن زيادة أعداد طالبي السكن المتقدمين للصندوق لا يمكن تلبيتها في وقت قصير؛ ما تطلب تغييرًا بمنهجية وأدوات دعم الصندوق؛ لكي يتمكن من تقليص مدة الانتظار، لكنها أتت بصدمة كبيرة، قلصت كثيرًا من عدد المستفيدين الفعليين؛ لأن عددًا كبيرًا لم يوقِّعوا على قبول القرض بصيغته الجديدة، فما الذي ابتكره الصندوق فعليًّا بتغيير شروط وآليات الإقراض؟
بما أن الصندوق عاجز عن توفير قروض لمئات الآلاف من المتقدمين خلال سنوات قليلة، لا تتعدى خمس سنوات، فقد توجه للبنوك التجارية ومؤسسات التمويل العقاري؛ لكي تكون هي الممول. والحد الأقصى للقرض بقي 500 ألف ريال. فالصندوق لن يقدم مالاً مباشرًا منه للمقترض، بينما تعهد بدفع تكلفة التمويل أي فوائد القرض، ووضع سقفًا لتحمُّل التكلفة عن المقترض بنسبة 100 % بحد أعلى للدخل الشهري 14 ألف ريال، وبعد هذا الرقم تكون التغطية للتكلفة نسبية بحسب حجم الدخل. فالصندوق فعليًّا ما قدمه من تكلفة للقرض، ويسميها دعمًا، هي تمثل ما كان يخصمه من التزام المقترض بسداد قرضه حسب الوضع السابق بنسبة 20 %. صحيح أنه يغطي بعض الحالات برقم أعلى لكن من حيث المبدأ الصندوق حول خصم القرض بالوضع السابق لما يسمى دعمًا بدفع تكلفة القرض، لكنه لم يعد يقدم القرض مباشرة؛ فوفّر على نفسه دفع مليارات الريالات، كان يقدمها سابقًا، ويكتفي بتقديم دعم على سنوات طويلة. فبعض المقترضين قد يصل دعمه إلى أقل من مائة ألف ريال، بينما وفر الصندوق على نفسه 400 ألف ريال، أي أن كل متقدم لقرض الصندوق يمكنه معرفة الفرق الذي وفره الصندوق من خلال الفرق بين ما سيتحمله الصندوق وحجم القرض، وسيقوم بتعويض هذه الأرقام التي سيلتزم بدفعها كدعم من خلال استثمار أمواله بأدوات استثمارية، تعطي عوائد كافية إلى حد ما لتغطية الالتزامات بصيغتها الجديدة.
لكن الأمر الذي يتضح من التغيير بآليات الإقراض أن الصندوق لم يعد مسؤولاً عن تخلف المقترض عن سداد قرضه؛ فالعلاقة هي بين المقترض والممول، ولن يكون هناك أي ضمانات فعليًّا من الصندوق، تساعد المقترض في العديد من الأمور التي ستواجهه عند توجهه للممول التجاري؛ فعمر المقترض يلعب دورًا كبيرًا بحجم القرض الذي سيحصل عليه؛ فكلما كان قريبًا من سن 60 عامًا فإن احتمالات انخفاض القرض عن 500 ألف ريال كبيرة جدًّا، وخصوصًا أن هذا المقترض الذي سجل بالصندوق منذ أكثر من عشرة أعوام ليس له ذنب بتأخر قرضه.
والحديث عن المسجلين حاليًا ومن تمت الموافقة لهم؛ فبعضهم سجل على القرض عند سن 30 إلى 35 سنة، ولم تصدر الموافقة له إلا وقد تخطى 45 عامًا، فما هو ذنبه بأن ينخفض قرضه بما يعيق استفادته منه بتملك السكن؟ فبعضهم قد لا يصل قرضه إلى 300 ألف ريال، فماذا سيستفيد منها في ظل ارتفاع أسعار المنازل بأضعاف هذا الرقم، ولا يمكنه الحصول على قروض إضافية؛ إذ يمنع خصم أكثر من 33 في المائة من دخله.
ففي السابق كان سداد قرض الصندوق يصل إلى 1600 ريال شهريًّا، بينما حاليًا سيحصل على قرض من البنوك التجارية، وسيسدد ثلث دخله، أي أن إمكانية حصوله على قروض إضافية تبدو مستحيلة لكثير من الشرائح المستهدفة. فسياسات الصندوق الجديدة عمليًّا لم تقدم للمقترضين خيارات مناسبة، وما يعتبر نجاحًا للصندوق بتحويل عشرات الآلاف من المسجلين خلال فترة قصيرة للبنوك لن يحقق الهدف بزيادة تملك السكن؛ وذلك لأسباب عديدة، أولها ارتفاع أسعار المعروض حاليًا؛ فوزارة الإسكان تقول إن 75 %من طالبي السكن لا تناسبهم الوحدات المعروضة لارتفاع أسعارها.
أيضًا يمثل ضعف نمو الوحدات ذات الأسعار المنخفضة عائقًا كبيرًا للاستفادة من القرض المدعوم من الصندوق؛ لذلك يظهر تخلف الكثيرين ممن صدرت لهم موافقات عن الحصول على القرض؛ لأن القروض موجهة للشراء من المعروض بالسوق نتيجة صعوبات الشروط للإقراض لبناء السكن من قِبل البنوك التجارية التي لا يحتاج من يريد الاستفادة منها إلى دعم الصندوق؛ فطريقها معروف، وأبوابها مفتوحة، بل يمكن الحصول على قروض أعلى وشروط أفضل من تلك التي عُقدت بين الصندوق والبنوك التجارية ومؤسسات التمويل العقاري.
الصندوق العقاري ابتكر منتجًا يُزيد من عدد المحولين من المسجلين على قوائم طالبي الدعم لتملك السكن للبنوك التجارية، لكن في الحقيقة تركهم يصطدمون بشروط وإجراءات تحدُّ فعليًّا من أثر هذا القرض والدعم الذي لا يمثل شيئًا أمام الحاجة لتمويل أكبر وبطرق عديدة لزيادة تملك السكن، إلا أن الواقع تظهره أرقام من يوافقون على تلك القروض التي لم تتجاوز 20 % من إجمالي من صدرت لهم موافقات. فعن أي نجاح يتحدث الصندوق بحل مشكلة التمويل التي باتت مجرد قوائم نظريًّا، تحوي أعدادًا كبيرة، لكن واقعيًّا نسبة المستفيدين محدودة جدًّا.. فهل بعد ذلك يمكن القول إنه بقي دور تنموي حقيقي للصندوق بقطاع الإسكان؟!