
حي الطندباوي في العاصمة المقدسة یبعد عن المنطقة المركزیة نحو كیلو متر واحد، وكنت قد سكنته ما یزید على عشر سنوات، فكان یسھل علي الذھاب إلى المسجد الحرام في بعض الأیام لأداء صلاتي المغرب والعشاء مشیاً على الأقدام، معتبراً ذلك المشوار «الكعابي» ریاضة تعوضني عن أنواع أخرى من الریاضات كنت أمارسھا في صغري وشبابي مثل كرة القدم، وكان العدید من سكان الحي یفعلون مثل ما أفعل، بل إنني اقتدیت بھم واستفدت من تجربتھم، فوجدت أثر ذلك نشاطاً وصحة وحرقاً للفائض من السكر والدھون!
ھذا الحي القریب نسبیاً من المسجد الحرام شملتھ مشاریع نزع الملكیات لصالح ما یسمى بالطریق الموازي الممتد من
میدان الدوارق في المدخل الغربي لأم القرى إلى المنطقة المركزیة شرقاً، وكانت معظم عقاراتھ شعبیة وذات مساحات صغیرة تسكنھا عائلة من أسرة متماسكة جمعتھا تلك المساحة الصغیرة، بل إن منزلي في الحي الذي بعته بیعاً حراً بسعر معقول عام 1412ھـ لم تكن مساحته الإجمالیة تزید على 70 متراً مربعاً، حتى جاءت الشركة المطورة للطریق الموازي، وقدرت العقارات بأثمان بعضھا لا یكفي لشراء أرض في أي موقع داخل مكة المكرمة حتى لو كان الموقع بعیداً عن المنطقة المركزیة 10 كیلومترات أو أكثر، حیث أعطي للأرض في بعض المواقع من حي الطندباوي خمسة آلاف ریال سعراً للمتر منھا فیكون تقدیر مئة متر خمسمئة ألف والأنقاض بمائتي ألف “وربك سامع الدعاء”.
ولذلك لم أفاجأ عندما علمت أن بعض أھالي الحي اضطروا إلى شراء أراض في ودیان بعیدة عن مكة المكرمة، مثل وادي ملكان وبئر الغنم وعمق، لأن الأراضي ھناك في حدود 200 ألف لیبنوا بباقي مبلغ التعویض حجرات بسیطة، فما أبعد البون بین سكنھم السابق وبین سكنھم الجدید، ولكنھم كانوا مضطرین إلى تجشم ھذا الابتعاد عن حیھم، الذي سكنوه وألفوه وتمتعوا عن طریقه بالقرب من الحرم وبإمكانیة الوصول إلى الكعبة راجلین!
ولعل العجیب في أمر ھذا المشروع الاستثماري أن عملیة نزع الملكیات لصالحه مر علیھا 10 سنوات وتم إزالة مئات العقارات، ولكن المشروع لم یر النور بعد، فلعل المانع خیر!.