مسألة السكن والعقار أصبحت من القضايا الأكثر سخونة في نقاش المجتمع اليوم، وهو ما انعكس على الاهتمام الحكومي بهذه القضية التي أصبحت مصدر قلق لدى أفراد المجتمع باعتبار أن نسبة كبيرة من الأفراد لا يملكون مسكنا، وعلى الرغم من الدعم الحكومي الكبير لتمويل الأفراد لبناء أو شراء مساكن من خلال حزمة من الإجراءات التنفيذية والإجرائية والتشريعية، منها زيادة الدعم لصندوق التنمية العقارية ليتمكن من تمويل الأفراد بصورة عاجلة قدر الإمكان خصوصا فئة الشباب التي غالبا ليس لديها الإمكانات للشراء النقدي للعقار وهي الشريحة الأكبر من أبناء المجتمع، ومنها أيضا إصدار نظام الرهن العقاري التي ينظم العلاقة بين المؤسسات التمويلية وعملائهم فيما يتعلق بتمويل المساكن، إضافة إلى تسهيل إجراءات التمويل من خلال برامج التمويل الإضافي وبرامج أخرى تقدمها بعض المؤسسات لتمويل موظفيها.
هذه الحزم من المبادرات اصطدمت بواقع فيه شيء من التعقيدات بدأت بارتفاع كبير في أسعار الأراضي بصورة مستمرة، وتبعها ارتفاع في أسعار مواد البناء، ومن ثم في تكلفة القوى العاملة لتنفيذ هذه المباني، وهذا لم يكن بالضرورة بسبب دعم برامج الإسكان ولكنه واقع فرضته مجموعة من المتغيرات المحلية والعالمية وأثر بالتالي على تكلفة الوحدات السكنية بصورة واضحة.
التقارير الرسمية التي تصدر عن وزارة العدل بحسب ما جاء في صحيفة «الاقتصادية» في تحليل لواقع النشاط العقاري بالمملكة، وجد أن الصفقات العقارية تراجعت لأدني مستوى منذ بداية العام، وكما جاء في التقرير، “استقرت قيمة الصفقات الأسبوعية للسوق العقارية المحلية بنهاية 10 كانون الأول (ديسمبر) عند مستوياتها المتدنية نفسها تقريبا المسجلة في نهاية الأسبوع الأسبق 3 كانون الأول (ديسمبر)، فلم يتجاوز نموها الأسبوعي نسبة 0.2 في المائة، لتستقر عند مستوى 6.0 مليار ريال، مقارنة بانخفاضها الأسبق بنسبة 8.0 في المائة، وتعد هذه المستويات لقيم الصفقات الأسبوعية للسوق العقارية الأدنى في منظور أداء السوق خلال الأعوام الأربعة الماضية (2012 – 2015)، ليسجل المتوسط الأسبوعي لقيم الصفقات العقارية خلال 2015 مقارنة بمتوسطي عامي 2013 و2014 انخفاضا بلغت نسبته حسب الترتيب نحو 26.7 في المائة، ونحو 19.8 في المائة على التوالي”.
المتابع للسوق العقارية يجد تباينا في وجهات النظر فيما يتعلق باتجاه السوق إلا أن المؤشرات تدل على أن مسار أسعار العقارات تتجه بصورة أكبر للانخفاض بسبب عوامل منها، قرار فرض الرسوم على الأراضي كما جاء في التقرير، وهذا أحد أسباب توجه العقار للانخفاض بأسباب محلية، لكن على المستوى العالمي يمكن أن يكون هناك مجموعة من الأسباب التي قد تدفع بأسعار العقار إلى الاستمرار في الانخفاض، فارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى عزز من فرص تحول السيولة التي تستثمر في العقار إلى تلك المناطق باعتبار أن قوة الدولار تجعل السلع المقومة بعملات أخرى ومنها العقار في دول لا تعتمد الدولار كاحتياطي أكثر جذبا، من العوامل التي قد تؤثر في خيارات السيولة توجه الولايات المتحدة إلى رفع الفائدة حالا أو في المستقبل القريب الذي قد يدفع بالمستثمرين إلى الإقبال بصورة أكبر على أدوات الدين سواء المتوافق مع الشريعة منها مثل الصكوك أو التقليدية مثل السندات بدلا من الاستثمار في السلع أو العقارات، مع الأخذ في الاعتبار أن الزيادة في الفائدة على الدولار يتوقع أن تكون بتدرج حيث لا يكون هناك تحول جذري وكبير في معدل الفائدة وذلك لوجود اختلاف في وجهات النظر بين المختصين والاقتصاديين في توقيت رفع الفائدة الأمريكية.
هذه العوامل لا يمكن أن تزيد من حالة الإحباط لدى المستثمرين في السوق العقارية في المملكة إذ إن السوق ما زالت تحمل كثيرا من الفرص، وفرض الرسوم على الأراضي في وجهة نظر كثيرين قد يزيد من نشاط السوق وتدفق رؤوس الأموال إليها باعتبار أنه توجد حاجة وطلب مهول في المدن الكبرى، إضافة إلى الانفتاح الاقتصادي في المملكة، والدعم الحكومي الكبير لقطاع الإسكان لزيادة فرص المواطنين لتملك المساكن.
فالخلاصة أن السوق العقارية قد تتأثر بعامل رفع الفائدة على الدولار باعتبار أنها ستفقد شيئا من السيولة لمصلحة أدوات الدين، إضافة إلى تفضيل بعض المستثمرين تحويل استثماراتهم العقارية في الدول التي لا تعتمد في سلعها على الدولار كاحتياطي، ولكن يبقى أن هناك عوامل مهمة ستجعل من السوق العقارية في المملكة نشطة وتستقطب الاستثمارات ومنها الانفتاح الاقتصادي بالمملكة وزيادة الطلب على المساكن، والدعم الحكومي لتسهيل تملك المواطنين للمساكن.