أستكمل في الجزء الثاني من الحديث عن اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء، التي فتحت حولها وزارة الإسكان استبيانا، وقامت بعقد ورش عمل في عدد من المدن تركّزت على تسعة مواضيع أساسية متعلقة باللائحة، كل ذلك قبل الوصول إلى صيغتها النهائية، المفترض بدء العمل بتطبيق النظام واللائحة التنفيذية للرسوم في الثالث من رمضان المقبل بمشيئة الله -تعالى-.
بالنسبة إلى السؤال الأول حول المقصود بالأراضي الفضاء؟ فلا بد أن تتركّز الإجابة على معيار الانتفاع من الأرض بما لا يقل عن 50-70 في المائة منها، وأنّه في غياب تحقق هذا المعيار الأهم، فإنّ الأرض تُعد فضاء، سواءً كانت مشمولة بالخدمات أم لا أو حتى بعضها، طالما أنّه توافر فيها الشرط الأول المتمثل في وقوعها داخل حدود النطاق العمراني. بناءً عليه؛ يتم تطبيق الرسوم عليها دون تأخير أو مماطلة، وهو التوجه الذي سيكفل إغلاق أي استثناءات أو زيادة بشروط اعتبار الأرض فضاء أم لا، أؤكد أنّه سيسد كثيرا من نوافذ التهرّب أو التلاعب على نظام الرسوم، وعدا ذلك فلتنتظر وزارة الإسكان سقوط نظام الرسوم قبل حتى أن يبدأ العمل به فعلياً، وأنّها ستتحمّل وحدها المسؤولية كاملة لفشل تطبيق النظام.
ثانياً: بالنسبة إلى المطلوب إجراؤه في حالة الأرض المملوكة لأكثر من شخص طبيعي أو اعتباري، وتعذّر الوصول إلى بعض الملاك أو امتنعوا عن السداد لأي سبب، فهل يقبل سداد البعض الآخر حصتهم من الرسم، بحيث تبقى الأرض خاضعة للرسم لحين سداد كامل قيمة الرسم المحدد لها، أم لا يقبل إلا سداد كامل قيمة الرسم مرة واحدة؟ هنا يتم التعامل مع الملكية المتعددة للأراضي بطريقة مشابهة لملكية الشركات المساهمة، فيُقبل سداد المستحق على كل مالك، ويتم فرض غرامات التأخير والمماطلة على المتهرب أو المتأخر، وبالنسبة إلى من يتعذّر الوصول إليه من الملاك، لدى وزارة الإسكان القدرة على التغلّب على هذا العائق من خلال عديد من الممكنات التي أصبحت متوافرة تحت مظلة تطبيقات الحكومة الإلكترونية، وهي أدوات أصبح يُعتمد عليها في الوقت الراهن لدى وزارة العدل “قضاء التنفيذ”.
ثالثاً: بالنسبة إلى معايير تقدير قيمة الأرض؟ فأنا أوافق ما اقترحه الأخ إبراهيم الصحن في مقاله يوم السبت الماضي “رسوم الأراضي وتطبيقاتها عالمياً”، التي ذكر أنه وفقاً للممارسات الدولية المتبعة، يتم تحديد جهة تتبع للحكومة، تكون متخصصة في تقييم العقارات والأراضي لأغراض الرسوم المقررة على تلك الأصول العقارية. رابعاً: فيما يتعلّق بالبرنامج الزمني المناسب لتطبيق الرسم بشكل تدريجي، أن يتم تطبيقه في البداية “السنة الأولى” على ما لا يقل عن 30 مدينة من حيث عدد السكان، وتُستكمل بقية المدن الأخرى في “السنة الثانية”، وهو سيحمي السوق من آثار عدم استقرار الأسعار وتباينها الكبير المتوقع بعد بدء تطبيق الرسوم، ويقلّص كثيراً من انتقال الأموال من المناطق المشمولة بالرسوم إلى الأخرى غير المشمولة بالرسوم. وبنفس آلية التطبيق المقترحة هنا، أن تتم أيضاً فيما يتعلّق بالفقرة الخامسة من الاستبيان، المتعلقة بهل يتم تطبيق الرسم على جميع الأراضي البيضاء داخل المدن المستهدفة، أم تصنّف الأراضي إلى فئات ويتم تطبيق الرسم على كل فئة بشكل تدريجي؟ فأي تمييز بدعوى التدرج في التطبيق، ستكون له آثار وخيمة وسلبية على استقرار السوق العقارية.
وبالنسبة إلى الفقرة السادسة من الاستبيان؛ حول هل يمنح المكلف مهلة لتطوير أرضه، أم يُطبّق عليه الرسم مباشرة، ويتوقف تطبيقه متى انتهى من التطوير؟ أؤكد القول إنّ هنا مربط الفرس، وهنا إمّا أن يبدأ النظام قوياً أو أن يبدأ ضعيفاً هشّاً، فلا يجب أن تتجاوز مهلة تطوير الأرض فترة “العام الواحد” من تاريخ بدء التطبيق الفعلي للنظام، على أن يؤخذ بعين الاعتبار مساحة الأرض، بحيث يمنح المكلفين من ملاك الأراضي ذات المساحات الأدنى من 100 ألف متر مربع مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وتزيد مهلة شهر واحد فقط لكل مائة ألف متر مربع زيادة، وهكذا حتى تصل اللائحة إلى مساحة 1.0 مليون متر، وما زاد على ذلك فلا تتجاوز المهلة حد السنة الواحدة “اثنا عشر شهراً فقط”، على أنّه يجب الأخذ بعين الاعتبار، أنّه في حالة التصدّي لأرض مساحتها على سبيل المثال 2.0 مليون متر مربع، أن يبدأ تطبيق الرسوم على أول 100 ألف متر مربع منها بعد منحها مهلة ثلاثة أشهر، وبمهلة شهر إضافي بالنسبة إلى 100 ألف متر مربع الثانية، وهكذا يتم التعامل مع بقية مساحة الأرض بناءً على الآلية المقترحة للتطبيق، على ألا تتجاوز سقف العام الواحد.
أمّا بالنسبة إلى الفقرة السابعة من الاستبيان، المتعلقة بالضوابط اللازمة لمنع التهرب من دفع الرسم على الأرض؟ وهل يُربط تنفيذ أي تعاملات تتعلق بالأرض “بيع أو رهن أو رخص بناء” أو بصاحبها “رخص أو غيرها من خدمات عامة” بالتسجيل وبسداد الرسم وما قد يلحق به من غرامات؟ فلا بد أن تأتي تلك الضوابط صارمة إلى أقصى الحدود، بما يُقيم للنظام هيبته اللازمة والكافية، وبما يمنع تماماً أي احتمالات ممكنة لحدوث أيّ من تلك الاختراقات، وحسبما أشرتُ أعلاه، فالتجربة الناجحة التي تمكنت وزارة العدل من تحقيقها على طريق “قضاء التنفيذ”، يمكن تكرارها هنا على نفس القدر من القوة والحزم والدقة في التنفيذ.
وفيما يتعلق بالفقرة الثامنة، المتعلقة بالآلية المناسبة لتحديد معامل توافر الخدمات العامة للأراضي ووصول المرافق إليها؟ فلا شك أنّها أحد أكبر جوانب الاختلاف بين من يرى عدم تطبيق الرسوم على الأراضي غير المشمولة بتوافر كل أو بعض تلك الخدمات، والفريق الآخر الذي يرى أهمية شمولها بالرسوم بغض النظر عن وجود هذه الخدمات أو بعضها من عدمه، وهو الرأي الأنسب الأخذ به تجاه حجم الأزمة التنموية الكبيرة التي يعانيها الاقتصاد والمجتمع، والدليل الواضح على أهمية هذا الرأي، وأنّه يحقق الهدف الرئيس من إقرار نظام الرسوم، أنّ التضخم في أسعار الأراضي شمل جميع الأراضي، ولم يفرّق بين الأراضي المشمولة بالخدمات من عدمه، كنتيجة لتجذّر التشوهات في السوق بصورة خطيرة، وهي الحالة المستعصية التي لم تعد تخفى على أي فرد من المجتمع.
أخيراً؛ بالنسبة إلى الفقرة التاسعة، التي تتعلق بالمعايير المقترحة لتحديد العوائق الحائلة لصدور التراخيص والموافقات اللازمة لتطوير الأرض أو بنائها، فهذا جانب تعهدت وزارة الإسكان بمعالجته قريباً، وأنّها ستنشئ مركزاً لخدمة المطورين العقاريين، يقوم بإنهاء هذه المتطلبات خلال شهرين فقط، على أنّه يجب التحذير من أن يتم التعذّر بهذا الأمر، ليكون عائقاً بالغ الخطورة تجاه تطبيق نظام الرسوم على الأراضي، فوجوده أو استمراره لا يبرر إطلاقاً منع تطبيق نظام الرسوم، ولا يجب أن يكون تقصير أو تهاون أي جهة حكومية مهما كانت تلك الجهة “مبرراً” يمنع تطبيق أي نظام أقرّته الدولة، سواء نظام الرسوم أو أي نظام آخر. والله ولي التوفيق.