
التلاعب بالهيكل التنظيمي وتفويض الصلاحيات يجعل أي مسؤول وبما لديه من صلاحيات واسعة ومسؤولية محدودة قادرا على تغيير المخططات السكنية وتوزيع منح الأراضي على أساس الواسطة والمحسوبية دون إشراف أو متابعة
سرقة الأراضي الحكومية ليست بظاهرة جديدة، فالمجتمع يعاني من لصوص الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً، ومنذ زمن هجرة الناس من القرى إلى المدن مع بداية النهضة التنموية للدولة، حيث كان البعض يستغل آنذاك بعض الفتاوى الفقهية مثل إحياء الأرض ووضع اليد أو بموجب مبايعات ووثائق غير معترف بها رسمياً.
وفي وقتنا الحاضر، أصبحت ظاهرة سرقة الأراضي الحكومية أكثر تطوراً وتنظيماً، وذلك من خلال استغلال ضعف الرقابة، والإشكاليات الموجودة في تخطيط المدن وقواعد البيانات، بالإضافة إلى جود فراغ تشريعي يتعلق بحماية تلك الأراضي، ولكن الأخطر من ذلك هو تواطؤ بعض المسؤولين الحكوميين في سبيل الاستيلاء على هذه الأراضي، الأمر الذي يضع علامات استفهام كثيرة حول كيفية سرقتها والتصرف فيها بهذه السهولة.
فقد نشرت الصحف المحلية في أوقات متفرقة قيام موظفين ومسؤولين في عدة أمانات وبلديات بالاستيلاء على الأراضي الحكومية البيضاء، وتحويل عدد كبير من الحدائق والمساجد إلى منح سكنية، وذلك من خلال استغلال بعض المسؤولين مناصبهم الوظيفية في الأمانات، ويبقى السؤال: كيف استغلوا مناصبهم وصلاحياتهم في سرقة الأراضي؟
للأسف لا توجد إجابة واضحة عن السؤال السابق من قبل المسؤولين في الأمانات، حيث يتم الاكتفاء في الغالب بأن سرقة الأراضي تمت عن طريق تزوير المستندات والصكوك وعن طريق الرشاوى، وهذه الأسباب معلومة للجميع، ولكن كيف استطاعوا القفز على الأنظمة واللوائح؟ لا أحد للأسف يجيب عن هذا التساؤل والسبب في ذلك يتمثل في تحديد المسؤوليات وهذا ما تتجنبه البيروقراطية عموما.
نشرت “الوطن” الأسبوع الفائت خبرا بعنوان: “تعاميم مسؤول تشل 6 بلديات”، وبالرغم من أن هذا الخبر ليس له علاقة مباشرة بسرقة الأراضي الحكومية، إلا أنه يوضح خللا على المستوى التنظيمي للأمانات، عن طريقه استغل بعض المسؤولين صلاحياتهم في القفز على الأنظمة واللوائح للاستيلاء على الأراضي الحكومية البيضاء.
يقول الخبر: قام مدير إحدى الإدارات بإرسال “تعاميم خاطئة خارج صلاحياته واستغل منصبه الإداري بشكل سلبي في خرق الهيكلة التنظيمية والهرم الإداري في الأمانة”، حيث قام هذا المسؤول بإرسال “تعاميم تسببت في إرباك العمل بعدد من البلديات التابعة للأمانة والإضرار بمستوى خدمة البلديات للمواطنين من خلال تعطيل مبادرة (معاملة) لخدمة المستفيدين والتي تهدف لمنح تراخيص المحال التجارية والصحية..”.
وبناء على ما سبق، يتضح أن مسؤول الأمانة استغل منصبه لعدم وضوح صلاحياته الإدارية، بالرغم من وجود هيكل تنظيمي معتمد، وقرار بتحديد الصلاحيات والمهمات المفوضة إلى كل مسؤول، ولكن في واقع الأمر هناك خلل تنظيمي عند التطبيق على أرض الواقع.
ففي البيروقراطية عادة، يتم تجاوز الهيكل التنظيمي من خلال إحداث وظائف غير معتمدة مثل وظيفة “المشرف العام” -على سبيل المثال- غير الموجودة في الهيكل، بحيث يتم تجميع جميع الصلاحيات للوظائف المتعارضة فيها، ما يزيد من الفرص التي تمكن أي شخص من التلاعب وفي نفس الوقت تمكنه من إخفاء الأخطاء والأعمال غير النظامية التي ارتكبها.
أيضا، يتم استغلال “التكليف الإداري”، للتهرب من المسؤوليات عن طريق تكليف موظف معين بعدة وظائف دفعة واحدة، بالرغم من أن هذه الوظائف مشغولة بموظفين آخرين من الناحية التنظيمية، وهؤلاء الموظفون لا يمارسون عملهم الفعلي على أرض الواقع، وعلى هذا الأساس يتم تجاوز قرار تفويض الصلاحيات المعتمد بهذه الطريقة، ويكون قرار التكليف بشكل فضفاض وخال من تحديد الصلاحيات ليعمل المسؤول بصلاحيات مطلقة دون أدنى مسؤولية، وبالتالي يكون لدى الجهة الحكومية هيكل تنظيمي رسمي بناء على الأنظمة واللوائح من الناحية الشكلية فقط، وهيكل تنظيمي آخر غير رسمي يتم تكييفه بناء على المزاج الشخصي للمسؤول!
لذا ليس من المستغرب وجود مدير إداري واحد قد يترأس أكثر من ثلاث إدارات في آن واحد، تارة باسم المشرف العام، وتارة باسم المدير العام المكلف وهكذا، ما يؤدي ذلك إلى الانفراد بإدارة الجهة الحكومية بجميع صلاحياتها، وتكون القرارات الإدارية في ضوء تلك الممارسات مسخرة لخدمة فئة أو جماعة واحدة يكون المناخ فيها مهيأ لانتشار الفساد الإداري والمالي.
ونتيجة لوجود تلك الممارسات المتعلقة بالتلاعب بالهيكل التنظيمي وتفويض الصلاحيات، فإنه قد يستغل ذلك في الاستيلاء على الأراضي الحكومية من الناحية الإدارية في مختلف الأمانات والبلديات مع استغلال العوامل الأخرى، فيستطيع أي مسؤول لما لديه من صلاحيات واسعة ومسؤولية محدودة تغيير المخططات السكنية وتوزيع منح الأراضي على أساس الواسطة والمحسوبية دون إشراف أو متابعة.
يؤكد بعض المختصين والباحثين في المجال الاقتصادي والعقاري على ضرورة فرض عقوبات صارمة ومشددة على لصوص الأراضي، ولكن في رأيي أن هذه العقوبات إذا تم فرضها فإنه يصعب تطبيقها على أرض الواقع بسبب شيوع المسؤولية، وفي جميع الأحوال ستطبق العقوبات على صغار الموظفين دون محاسبة المسؤول الحقيقي عن مثل هذه الجريمة.
التلاعب بالهيكل التنظيمي وتفويض الصلاحيات يجعل أي مسؤول وبما لديه من صلاحيات واسعة ومسؤولية محدودة قادرا على تغيير المخططات السكنية وتوزيع منح الأراضي على أساس الواسطة والمحسوبية دون إشراف أو متابعة
سرقة الأراضي الحكومية ليست بظاهرة جديدة، فالمجتمع يعاني من لصوص الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً، ومنذ زمن هجرة الناس من القرى إلى المدن مع بداية النهضة التنموية للدولة، حيث كان البعض يستغل آنذاك بعض الفتاوى الفقهية مثل إحياء الأرض ووضع اليد أو بموجب مبايعات ووثائق غير معترف بها رسمياً.
وفي وقتنا الحاضر، أصبحت ظاهرة سرقة الأراضي الحكومية أكثر تطوراً وتنظيماً، وذلك من خلال استغلال ضعف الرقابة، والإشكاليات الموجودة في تخطيط المدن وقواعد البيانات، بالإضافة إلى جود فراغ تشريعي يتعلق بحماية تلك الأراضي، ولكن الأخطر من ذلك هو تواطؤ بعض المسؤولين الحكوميين في سبيل الاستيلاء على هذه الأراضي، الأمر الذي يضع علامات استفهام كثيرة حول كيفية سرقتها والتصرف فيها بهذه السهولة.
فقد نشرت الصحف المحلية في أوقات متفرقة قيام موظفين ومسؤولين في عدة أمانات وبلديات بالاستيلاء على الأراضي الحكومية البيضاء، وتحويل عدد كبير من الحدائق والمساجد إلى منح سكنية، وذلك من خلال استغلال بعض المسؤولين مناصبهم الوظيفية في الأمانات، ويبقى السؤال: كيف استغلوا مناصبهم وصلاحياتهم في سرقة الأراضي؟
للأسف لا توجد إجابة واضحة عن السؤال السابق من قبل المسؤولين في الأمانات، حيث يتم الاكتفاء في الغالب بأن سرقة الأراضي تمت عن طريق تزوير المستندات والصكوك وعن طريق الرشاوى، وهذه الأسباب معلومة للجميع، ولكن كيف استطاعوا القفز على الأنظمة واللوائح؟ لا أحد للأسف يجيب عن هذا التساؤل والسبب في ذلك يتمثل في تحديد المسؤوليات وهذا ما تتجنبه البيروقراطية عموما.
نشرت “الوطن” الأسبوع الفائت خبرا بعنوان: “تعاميم مسؤول تشل 6 بلديات”، وبالرغم من أن هذا الخبر ليس له علاقة مباشرة بسرقة الأراضي الحكومية، إلا أنه يوضح خللا على المستوى التنظيمي للأمانات، عن طريقه استغل بعض المسؤولين صلاحياتهم في القفز على الأنظمة واللوائح للاستيلاء على الأراضي الحكومية البيضاء.
يقول الخبر: قام مدير إحدى الإدارات بإرسال “تعاميم خاطئة خارج صلاحياته واستغل منصبه الإداري بشكل سلبي في خرق الهيكلة التنظيمية والهرم الإداري في الأمانة”، حيث قام هذا المسؤول بإرسال “تعاميم تسببت في إرباك العمل بعدد من البلديات التابعة للأمانة والإضرار بمستوى خدمة البلديات للمواطنين من خلال تعطيل مبادرة (معاملة) لخدمة المستفيدين والتي تهدف لمنح تراخيص المحال التجارية والصحية..”.
وبناء على ما سبق، يتضح أن مسؤول الأمانة استغل منصبه لعدم وضوح صلاحياته الإدارية، بالرغم من وجود هيكل تنظيمي معتمد، وقرار بتحديد الصلاحيات والمهمات المفوضة إلى كل مسؤول، ولكن في واقع الأمر هناك خلل تنظيمي عند التطبيق على أرض الواقع.
ففي البيروقراطية عادة، يتم تجاوز الهيكل التنظيمي من خلال إحداث وظائف غير معتمدة مثل وظيفة “المشرف العام” -على سبيل المثال- غير الموجودة في الهيكل، بحيث يتم تجميع جميع الصلاحيات للوظائف المتعارضة فيها، ما يزيد من الفرص التي تمكن أي شخص من التلاعب وفي نفس الوقت تمكنه من إخفاء الأخطاء والأعمال غير النظامية التي ارتكبها.
أيضا، يتم استغلال “التكليف الإداري”، للتهرب من المسؤوليات عن طريق تكليف موظف معين بعدة وظائف دفعة واحدة، بالرغم من أن هذه الوظائف مشغولة بموظفين آخرين من الناحية التنظيمية، وهؤلاء الموظفون لا يمارسون عملهم الفعلي على أرض الواقع، وعلى هذا الأساس يتم تجاوز قرار تفويض الصلاحيات المعتمد بهذه الطريقة، ويكون قرار التكليف بشكل فضفاض وخال من تحديد الصلاحيات ليعمل المسؤول بصلاحيات مطلقة دون أدنى مسؤولية، وبالتالي يكون لدى الجهة الحكومية هيكل تنظيمي رسمي بناء على الأنظمة واللوائح من الناحية الشكلية فقط، وهيكل تنظيمي آخر غير رسمي يتم تكييفه بناء على المزاج الشخصي للمسؤول!
لذا ليس من المستغرب وجود مدير إداري واحد قد يترأس أكثر من ثلاث إدارات في آن واحد، تارة باسم المشرف العام، وتارة باسم المدير العام المكلف وهكذا، ما يؤدي ذلك إلى الانفراد بإدارة الجهة الحكومية بجميع صلاحياتها، وتكون القرارات الإدارية في ضوء تلك الممارسات مسخرة لخدمة فئة أو جماعة واحدة يكون المناخ فيها مهيأ لانتشار الفساد الإداري والمالي.
ونتيجة لوجود تلك الممارسات المتعلقة بالتلاعب بالهيكل التنظيمي وتفويض الصلاحيات، فإنه قد يستغل ذلك في الاستيلاء على الأراضي الحكومية من الناحية الإدارية في مختلف الأمانات والبلديات مع استغلال العوامل الأخرى، فيستطيع أي مسؤول لما لديه من صلاحيات واسعة ومسؤولية محدودة تغيير المخططات السكنية وتوزيع منح الأراضي على أساس الواسطة والمحسوبية دون إشراف أو متابعة.
يؤكد بعض المختصين والباحثين في المجال الاقتصادي والعقاري على ضرورة فرض عقوبات صارمة ومشددة على لصوص الأراضي، ولكن في رأيي أن هذه العقوبات إذا تم فرضها فإنه يصعب تطبيقها على أرض الواقع بسبب شيوع المسؤولية، وفي جميع الأحوال ستطبق العقوبات على صغار الموظفين دون محاسبة المسؤول الحقيقي عن مثل هذه الجريمة.
وتأسيسا على ما تقدم، يتعين إعادة النظر في الخرائط التنظيمية لكل من وزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانات والبلديات، والتأكد من تطبيقها على أرض الواقع مع الالتزام بقرار تفويض الصلاحيات المعتمد حسب ما جاء في لوائح الخدمة المدنية، فإذا تواجد النص النظامي المجيز للتفويض فيجب أن يصدر به قرار من الوزير أو المسؤول الأول بموجبه ينقل بعض اختصاصاته وصلاحياته للمفوض ويسمى بقرار التفويض، يلتزم فيه المفوض بالحدود الواردة في النص الذي سمح له بتفويض اختصاصه من حيث موضوع التفويض، ومن يجوز التفويض إليه وتحديد الصلاحيات ومدة التفويض وشروط ممارسته، فإذا خلا قرار التفويض من ذلك فإنه يترك مجالا واسعا للتلاعب بالصلاحيات.