لا يزال العالم بأكمله يحاول فهم واستيعاب آثار جائحة كورونا (كوفيد 19)، وإن كان من الواضح أن هذه الأزمة ستترك تأثيرات متنوعة على المدن عمرانياً واقتصادياً واجتماعيًا، ويظل الأمر المهم هنا هو مدى استفادة إدارات المدن من تجربة التعامل مع هذه الجائحة، وماهي الخطط الاستباقية التي يجب أن تقوم بها إدارات المدن لمرحلة التعافي الاقتصادي وإجراءات التعامل مع مرحلة مابعد (كوفيد 19)؟
وفي الواقع يرتبط تخطيط المدن وإدارتها ارتباطاً وثيقاً بالاتجاهات المستجدة خصوصاً في جانبي التصنيع والتقنية والأزمات الكبرى كذلك، ولو نظرنا لبعض الأزمات والأحداث على مستوى العالم نجد أن أحد الآثار والانعكاسات التي حصلت في تخطيط وتصميم المدن بعد وباء الكوليرا في القرن التاسع عشر هو إدخال أنظمة الصرف الصحي الحضرية الحديثة، وقبل ذلك عندما جاءت ثورة التصنيع تم إدخال اشتراطات توجيه المساكن واعتبارات الضوء والهواء كتدابير للحد من أمراض الجهاز التنفسي في الأحياء الفقيرة المكتظة في أوروبا، أيضاً كان للتوسع في استخدام السيارات والنقل العام دور كبير في إنشاء الضواحي الحضرية وحالياً جميعنا يلاحظ أثر التقنية والرقمنة البيانية في إدارة وتخطيط المدن والتواصل العالمي وخرج مفهوم المدن الذكية والآن أصبحنا نتحدث عن أمور أكثر تطوراً تتعلق بالذكاء الاصطناعي.
لقد أدت الجائحة الحالية بالفعل إلى تغيير الحياة الحضرية بشكل ملحوظ، فانخفضت نسبة التنقل والتلوث في المدن، وأصبح العمل من المنزل أمرًا طبيعيًا ومنتجاً مما قد يرسم مستقبلاً قرارات في تأسيس وتوفير أعمال ونشاطات اقتصادية مختلفة لا تعتمد على التواجد الشخصي في المكاتب، وأصبح من المهم دراسة تطوير وبناء المنظومات الصحية والبنية الأساسية في المدن، ومراجعة معدلات النمو والكثافة الحضرية في المدن، وهناك جانب آخر يتعلق بمعالجة وضع العشوائيات واشتراطات وأماكن سكن العمالة في المدن، بالإضافة إلى جوانب النقل والتوزيع والخدمات اللوجستية والصناعة ومسارات التوريد والإنتاج والإمداد في المدن.
والتخطيط لتكامل المدن والمناطق في كافة الخدمات والجوانب الاقتصادية، والاهتمام بمراكز البيانات لتكوين قواعد بيانات متكاملة ليسهل إدارة الأزمات والكوارث وفهم التحديات ومعالجتها بشكل أفضل.
من المهم في المرحلة القادمة العمل على خطط التعافي الاقتصادي وبحث الفرص البديلة لكثير من الأنشطة والكيانات الاقتصادية القائمة والتي قد تعاني من الخروج من آثار وتبعات هذه الجائحة، ولاشك أن إدارات المدن عليها دور كبير في هذا الجانب من حيث تقديم المساعدة في الوصول إلى استجابة ذات أثر إيجابي للمستقبل، فالمدن تحوي موارد ومقومات مكانية ومزايا تنافسية في قطاعات مختلفة قادرة على رسم خارطة من الفرص الاستثمارية والبديلة متى ما قامت المدن بوضعها في حزمة مبادرات اقتصادية، ولكن ذلك يستلزم بطبيعة الحال القيام بدراسة عاجلة لتحديد القطاعات المتأثرة وحجم التأثير والنشاط الاقتصادي المساند والبديل الذي يمكن أن يحدث الأثر المنشود.