من الأمور المهمة في ضمان استمرارية واستدامة المدن بعد – مشيئة الله – هو إخضاعها للتحديث والتجديد المستمر بحيث تكون قادرة على التكيف مع المستجدات والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والتكنولوجية والسياسية أيضاً، فما تقدمه المدينة لساكنيها من خدمات ومنتجات تتطلب أن تخضع لعملية تقييم شاملة بعد مرور فترة من الزمن ومن ثم البدء في مرحلة من التحديث والتجديد والتطوير بشكل مرن مع المتغيرات المختلفة سواءً على مستوى المدينة أو بعض أجزائها.
الواقع الممارس الذي لا يتجاوز في غالب الأحيان مخططات التنمية العمرانية ليس مثالياً فهو ينجح في أماكن ويخفق في أخرى، والقطاع الخاص وتحديداً المطورين ممن عملوا مشروعات عمرانية لم يقدموا نماذج مميزة في خارطة المدن إلا ما ندر منها.
ومع الحراك الجميل الذي نعيشه منذ البدء في رؤية المملكة وبرامج التحول الوطني والمبادرات التنموية التي تتبناها الجهات المختلفة لاسيما المعنية بشؤون التخطيط والتنمية، فإنه من المؤمل أن يتم العناية بهذا الجانب مع أهمية توسيع دائرة مشاركة القطاع الخاص في تحديث المدن من خلال المشاركة في تحديث مخططاتها العمرانية وأنظمة البناء والمنافسة على تقديم مشروعات مميزة في الأراضي ذات المواقع الجاذبة داخل المناطق الحضرية
إن التحديث الحضري المستدام يمكن أن يحقق النمو الاقتصادي والعمراني والرقي الاجتماعي، متى ما كانت نتائج التحديث متجانسة مع المتغيرات المختلفة في القطاعات كافة، مع ضرورة الحفاظ على الهوية وتجنب مغريات الحداثة فالتهافت لاستنساخ تجارب المدن والتوسع في إنشاء أبراج زجاجية وقنوات مائية مشذبه لا يكفي لإنجاح عملية التحديث والتجديد، إذ أن النجاح يكمن في تعزيز الاستفادة من الإمكانات والموارد المحلية والحفاظ على الهوية التي تتمتع بها كل مدينة وتمثل إرثها وتاريخها.
ولمدينة سيئول الكورية تجربة ناجحة في هذا الشأن، حيث إن عملية التحديث والتجديد الذي حدث لوسط المدينة بعد حالة من التدهور الكبير الذي تعرضت له في الأنشطة السكنية والتجارية، حيث جعلت قطع الأراضي الصغيرة، والطرق الضيقة، وارتفاع أسعار الأراضي عملية التطوير باهظة التكاليف، وفي الفترة من العام 1975 إلى 1995، شهدت المدينة مغادرة أكثر من نصف سكان وسط المدينة إلى مناطق أخرى، وكان معدل المساكن غير المطابقة للمعايير الآمنة وسكان العشوائيات أكثر من ضعفي المتوسط العام للمدينة، حينها أطلقت سيئول مشروع إحياء شيونغيشون لإعادة تحديث وتطوير وسط المدينة من خلال إنشاء طريق سريع علوي يشتمل على 18 حارة وتحويله إلى مسار حديث يبلغ مجموع المساحات العامة الخضراء فيه 16.3 هكتارا، الأمر الذي أدى إلى إحداث نقلة نوعية في تحديث وسط المدينة من خلال ايجاد استخدامات متنوعة ومختلطة رفعت من مستوى ونوعية وأسعار العقارات.