تعد الساحات العامة أحد المكونات العمرانية الأساسية والمهمة التي ترفع مستوى جودة الحياة في المدن، وعلى الرغم من أهمية وجود الساحات العامة كجزء أصيل في خارطة المدن كونها منصةً تجري فيها مختلف الأحداث والمناسبات، ومحضناً خصباً للأنشطة العامة والتبادلات الاقتصادية، وملتقى واسعاً للثقافات المختلفة، ولها دور كبير في تعزيز الترابط الاجتماعي وواحات مفتوحة للعمل والتفاعل الجماعي، إلا أن هذا المكون المهم مختفٍ تماماً من جسد الأحياء القائمة في مدننا إلا ما ندر، ولست أدري لماذا اختفت الساحات العامة من متطلبات النسبة التخطيطية المستقطعة من المطورين؟ وبالتالي افتقد وجودها في الأحياء والمواقع المطورة بالمدن.
عادةً ما تكون الساحة العامة في المدن كالقلب النابض الذي يعبر عن هوية المدينة وتنعش ما حولها من مبانٍ ومواقع حكومية وخاصة، وتعمل كمراكز تنسيق بين محاور المدينة المختلفة ومنها وإليها تتوزع الحركة اليومية في المدن، وتمثل الساحات العامة في المدن منطقة جذب سياحي وثفافي ترفيهي، ولعل من أبرز الساحات المشهورة عالمياً والتي يتوافد إليها ملايين الزوار ساحة التايمز سكوير، وروكفلر ويونيون سكوير في نيويورك، ولاس رامبلاس في برشلونة، وسان ماركو في البندقية، والشانزليزية في باريس، وريفرووك في سان أنطونيو وغيرها، وهناك برنامج كبير لتطوير مفهوم الساحات العامة أطلقته الأمم المتحدة من خلال برنامج المستوطنات البشرية (UN- HABITAT) يعنى بتقديم الدعم والأفكار لإنشاء المساحات العامة في المدن وهو برنامج نشط يغطي أكثر من 30 مدينة حول العالم.
وللساحات العامة في المدن آثار ايجابية متنوعة لعل من أبرزها فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي تحفيز قيام النشاطات الاقتصادية والعمرانية المتنوعة كالشقق السكنية والأسواق التجارية، وريادة الأعمال الصغيرة، ولها دور في تحسين مستوى البيئة العمرانية المحيطة بها وبالتالي رفع أسعار العقارات المحاذية لها.
وبالنظر لأهمية توفير الساحات العامة ولما لها من عوائد كبيرة في خارطة المدن، فإنني أجد أن أمانات وبلديات المدن أمام مسؤولية عظيمة في إعادة اكتشاف هذا المكوّن المفقود وإعادة الهيبة للمدن بالتوسع في إنشاء ساحات عامة وإعادة تأهيل وتهيئة بعض المواقع التي توجد في ملتقى الطرق وحول المباني الحيوية بالمدن لتصبح ساحات عامة.