تتنامى مؤخراً توجهات حديثة لتنمية وتطوير المدن ترتكز بشكل رئيس في جانبين، الجانب الأول يتمثل في الشق الوظيفي الاقتصادي، والجانب الآخر يتمثل في تحسين جودة الحياة والمعيشة بالمدن. وبلا شك كلا الجانبين مهمين في عملية رفع مستوى التنافسية بين مدن العالم وتتفاوت بطبيعة الحال المدن في عملية التقدم حول تحقيقهما، لذا أصبح الاهتمام العالمي ينظر بعناية لما يقدم من مبادرات ومشروعات وحوافز تقدم في هذين الجانبين لتأثيرهما الكبير في عملية توطين الاستثمارات والأعمال وجودة الحياة.
ولعلي هنا أسهب في الجانب المتعلق بتحسين جودة الحياة والمعيشة بالمدن حيث يرتكز العمل التنموي المكاني الذي يتعلق بالبيئة المبنية والإنسان الذي يحيي هذه المدن ويبنيها، ومن هنا استشعرت كثير من المدن خطأها تجاه الإنسان والمدينة وأصبحت حالياً تتحرك وبشكل قوي نحو إعادة توجيه المدن للناس عبر تطوير مشروعات تنموية لتأهيل المدن بحيث تراعي وتركز على المعيار الإنساني فيها وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد اتجاه كثير من المدن نحو استعادة شوارع وأجزاء من المدن التي فقدت بسبب التطوير الموجه نحو الطرق السريعة والسيارات في فترات مضت إلى المشروعات الترفيهية والمناطق المفتوحة التي توفر ممرات آمنة للمشاة وتساعد في توفير وسائل نقل مختلفة كالنقل العام ومسارات الدراجات.
وفي هذا الجانب هناك تجربة مميزة لمدينة سيئول الكورية التي استطاعت تطبيق تجربة عملية على أرض الواقع من خلال هدم الطريق السريع وسط مدينة سيئول وتحويله إلى متنزه شريطي على طول 5 أميال، يضم مناطق ترفيهية وممرات مشاة وملاعب للأطفال على الرغم من وجود معارضة كبيرة لهدم الطريق السريع القديم من قبل رؤساء الشركات التي توجد لها مقرات في المباني والأبراج العالية على الطريق، حيث اشتملت خطة النجاح في تحسين جودة المعيشة في سيئول تحويل هذا الطريق السريع لصالح إنشاء متنزه عام حيث وسعت الأرصفة على حساب ممرات السيارات، وحولت دوارات المرور إلى حديقة خضراء وتم إنشاء نظام للدراجات ومسارات مخصصة لخطوط الحافلات.
هذه التجربة الرائدة يؤمل في أن تؤخذ بعين الاعتبار لدى المختصين في وزارة النقل وأمانات وبلديات المناطق والمدن خصوصاً أنهم يعملون على برنامج جودة الحياة وتحسين المشهد الحضري للمدن الذي يمثل إحدى المبادرات المهمة والطموحة في رؤية المملكة 2030.