بالرغم من المتغيرات المالية، والاقتصادية، والتشريعية الدولية، نجحت البنوك السعودية في التكيف المنضبط معها، والتوسع في العمليات المصرفية، وتحقيق النمو والربحية المجزية، متقدمة على بعض القطاعات المصرفية العالمية التي يفترض أن تكون أكثر منها قوة وأعمق تجربة. الأكيد أن للجانب الرقابي الذي تمثله مؤسسة النقد العربي السعودي دورًا مهمًّا في توازن القطاع المصرفي السعودي، وحمايته، ومساعدته على تطبيق المعايير الدولية في جانبي الملاءة المالية والرقابة المصرفية.
وكالة موديز للتصنيف الائتماني أكدت في تقريرها الأخير أن البنوك السعودية قادرة على الاحتفاظ بمعدلات رسملة أعلى بكثير من الحد الأدنى المطلوب رقابيًّا بعد تطبيق المعيار الدولي IFRS 9. مشيرة إلى أن حجم تأثير تطبيق المعيار الجديد على رسملة البنوك السعودية بلغ 14.7 مليار ريال؛ وهو ما يعني قدرة البنوك على استيعابه بعيدًا عن الانعكاسات السلبية.
موديز أكدت أيضًا أن كفاية رأس المال – وهي من متطلبات بازل الرئيسة – ستبقى مرتفعة في البنوك السعودية في الشريحتين الأولى والثانية، إذ بلغت 17.6 %، للشريحة الأولى، و18.3 %، للشريحة الثانية، مقارنة بالمتطلبات الدولية التي رسمت الحد الأدنى الرقابي للشريحتين الأولى والثانية عند 8.5 %، و10.5 %، على التوالي. ارتفاع معدلات كفاية رأس المال تعكس ملاءة البنوك السعودية وقدرتها على مواجهة المخاطر، وهو أمر مطمئن، ويبعث على التفاؤل بقدرة القطاع المصرفي على تلبية متطلبات مرحلة الإصلاحات الاقتصادية، ورؤية المملكة 2030 التي تعتمد في أساسياتها على القطاع الخاص كمحرك للاقتصاد، الذي يعتمد بدوره على القطاع المالي كمصدر رئيس للتمويل.
ومن أهم ما جاء في تقرير موديز نسبة تغطية القروض المتعثرة التي حددتها بـ 150 % بنهاية العام 2017، وهي تغطية كبيرة ولا شك تجعل البنوك السعودية في مأمن من صدمات التعثر، وتعطيها إمكانية مستقبلية للاستفادة من تلك المخصصات في حال تحصيل تلك الديون المتعثرة لدعم ربحيتها، وهو أمر لا تراهن عليه البنوك، إلا أن تطور آليات التقاضي والتحصيل يجعل منه أمرًا محتملاً. ومن جهة أخرى، فارتفاع نسبة تغطية القروض المتعثرة أسهم في تراجع مخصصات البنوك بسبب انخفاض المخاطر؛ وهذا سينعكس إيجابًا على الأرباح بنهاية العام الحالي؛ ما سيدعم مراكز البنوك المالية، ويدعم التوزيعات النقدية على حملة الأسهم.
انخفاض حجم المخصصات في مقابل ارتفاع نسبة تغطية القروض المتعثرة يجب أن ينعكس إيجابًا على تعاملات البنوك السعودية مع عملائها المقترضين، وبخاصة الأفراد من متضرري السايبر الذين ما زالوا، وبرغم المبادرات الجميلة والوعود المضيئة يعانون من تلكؤ التنفيذ، وتعقيدات العقود المطروحة كخيار بديل للعقود السابقة. بيئة القطاع المصرفي المستقرة، وربحيته العالية، وانخفاض نسبة التعثر إلى ما دون 1.5 %، إضافة إلى الدعم الذي يحصل عليه القطاع من الحكومة ممثلة في مؤسسة النقد، يجب أن تنعكس إيجابًا على علاقة البنوك بعملائها، ومعالجة مشكلاتهم التي باتت تؤثر بشكل كبير عليهم، وهو أمر أحسب أن ساما والبنوك باتت مهتمة بمعالجته بشكل نهائي، غير أن عامل الوقت مهم للمتضررين، كما أن متغيرات الفائدة باتت تضغط بشكل مباشر على طرفَي العلاقة الائتمانية.
أختم بتأكيد متانة القطاع المصرفي السعودي، ودوره الفاعل في دعم الاقتصاد، وكفاءة مؤسسة النقد العربي السعودي في دورها التشريعي والرقابي والتوجيهي؛ الأمر الذي أعطى القطاع تصنيفات متقدمة، وإشادات دولية مستحقة.