في تاريخ البشرية المسجل توجد شركة واحدة استطاعت أن تزاول أعمالها على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً، بدأت تلك الشركة أعمالها عام 578م وهو العام نفسه الذي توفي فيه عبدالمطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم.
حديثنا اليوم عن شركة كونجو جومي (Kongo Gumi) والتي تأسست في القرن السادس الميلادي حيث نقلت تقنيات تشييد المعابد إلى اليابان من شبه الجزيرة الكورية وشيدت أعرق معابد مدينة أوساكا والذي قامت بتجديده ثماني مرات نتيجة عوامل متعددة كالحرائق والأعاصير والحروب. واستطاعت الشركة عبر تاريخها الطويل أن تحقق مبيعات قدرت بملايين الدولارات في فترة من الفترات.
ماذا حصل لشركة كونجو جومي؟ في ثمانينات القرن العشرين حصلت طفرة عقارية في اليابان فاستدانت الشركة من البنوك لتستثمر في العقارات والتي انهارت أسعارها مع مطلع التسعينات ووصلت ديون الشركة لحد قياسي بلغ ما يقارب نصف مليار دولار مما اضطرت الشركة معه لأن يتم الاستحواذ عليها وتدخل تحت مظلة مجموعة تاكاماتسو عام 2006م.
ولمن أحب الاستزادة حول الشركات اليابانية المعمرة فأنصح بالتقرير الصادر من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان «أسباب استمرارية الشركات اليابانية» للباحث أ. عثمان المزيد والذي أعتز به كواحد من طلبتي السابقين باليابان.
ولكن، ما الدروس المستفادة من تجربة شركة كونجو جومي؟ هنالك عدة نقاط يمكن اختصارها كما يلي:
أهمية المرونة: لم تكن الظروف مستقرة طيلة الألف وأربعمائة سنة وكان على الشركة أن تتكيف وتتغير حسب الظروف. وعلى سبيل المثال فوقت الحرب العالمية الثانية انخفضت الطلبات على ترميم المعابد فقررت الشركة فتح خط إنتاج جديد لنعوش الأموات والضحايا وحققت أرباحاً.
أخلص لزبائنك يخلصوا لك: تهتم الشركات اليابانية جداً بالعلاقات مع الزبائن وخاصة المجتمع والبيئة المحيطة، فعلى سبيل المثال دعمت شركة باناسونيك الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة في أوساكا. ولذا إذا دخلت أي فندق في تلك المدينة فستجد بنسبة كبيرة المنتجات الكهربائية من شركة باناسونيك.
احذر التوسع اللامحسوب: دخول شركة كونجو جومي في مجال الاستثمار العقاري أيام الطفرة في اليابان والاستدانة من البنوك وانهيار الفقاعة أدى لحصول مديونيات كبيرة للشركة. ولو أن الإدارة وقتها توسعت بحسابات أو ركزت على مجالات قوتها لما حصلت تلك الخسائر والديون الكارثية، وبشكل عام 89.4 % من الشركات المعمرة لأكثر من مائة سنة يقل عدد موظفيها عن 300 شخص!
أما الدرس الأخير فهو الأمل وعدم اليأس! فرغم أن الكثير اعتبرها نهاية رحلة الشركة والتي بدأت من القرن السادس الميلادي إلى القرن الحادي والعشرين بعد الاستحواذ عليها إلا أن السيد (توشيتاكا كونجو) المدير التاسع والثلاثين في تاريخ الشركة يعتبر أن كونجو جومي ما زالت قائمة ومستقلة بإدارتها وتمارس أعمالها ويطمح لأن تواصل الشركة أعمالها لألف سنة قادمة..