إلى متى ستبقى هذه الأحياء السكنية العشوائية في الرياض بؤرة لتصدير المشكلات الصحية والأمنية؟ هذا السؤال يفرض حضوره في كل مرة نرى التغطيات الإعلامية عن الحملات المشتركة التي تنظمها العديد من الأجهزة الحكومية في الرياض لمداهمة الأحياء السكنية في محور شارع البطحاء، حيث يتم ضبط العديد من المخالفات النظامية الخطيرة التي تجري في هذه الحواضن المثالية لتصنيع البضائع المقلدة والمغشوشة!
أيضًا ربما يتذكر البعض منكم أن هذه الحملات لضبط المخالفات ليست جديدة، بل كنّا نراها قبل عشرين سنة، وكنا نظن أنها سوف تنتهي قريبًا، وذلك لجسامة وخطورة المخالفات التي تجري؛ ولكن الحلول الحكومية ظلت تعالج الأعراض وتستخدم الحلول المتاحة والمسكنة للألم، لذا تطورت المخالفات وتميزت في الغش، وفي التخفي عن القانون، واستخدمت منافذ بيع البضائع الرخيصة والبقالات لتسويق هذه المخالفات، لقد كسبت العصابات (المناعة النظامية!).
هذا التأخر في المعالجة الجذرية ينذر بمخاطر كبيرة مهددة للأمن الوطني وللصحة والسلامة العامة، والحل الجذري لهذه الأحياء العشوائية التي تركها أهلها وأصبحت وكرًا يصدر الجريمة بأنواعها هو في اتخاذ (قرار حاسم لمعالجة أوضاعها إما بإزالة، أو بإعادة بنائها لإبعاد النشاط التجاري، وإعادة ترتيب المساحات المشتركة لتكون جاذبة للأنشطة الإنسانية)، وفي تصوري أوضاع هذه الأحياء تحول إلى قضية سيادية.
التعامل مع مثل هذه الأحياء يفترض أن يتم عبر اتخاذ المسارات التي ترى الحكومة أنها تحقق العدالة لأصحاب البيوت في هذه الأحياء وتحقق العدالة لسكان العاصمة، وتحقق المصلحة لأصحاب المساكن في هذه الأحياء وتحقق المصلحة العليا للبلد. ثمة تجارب ناجحة للقضاء على مشكلة الأحياء العشوائية، ففي بناء وتشغيل بعض المدن الكبرى في العالم، والتي مرت بمراحل التطور السريع وعانت من زحف السكان من الأرياف والمدن الصغيرة، وعانت من تبدل طبيعة الحي السكني وضعف الأنظمة العمرانية، تم التعامل مع الأحياء العشوائية كتحدٍ كبير ويقدم فرصًا كبيرة. وهنا لن أقدم أمثلة لأنها أصبحت معروفة وتعد مصدر استقطاب للأنشطة الإنسانية والتجارية.
في الرياض أنفقنا وننفق مئات المليارات لتطوير المدينة ورفع قدرة البنية الأساسية، ويجري بناء شبكة متطورة للنقل، ونبني مشاريع كبرى لدعم صناعة السياحة والترفيه والثقافة، ونتطلع إلى بيئة حضرية محفزة للأنشطة الإنسانية والاجتماعية.
كل هذا الإنفاق سوف لن نرى ثماره الإنسانية وعائده الاستثماري على اقتصاد العاصمة، فلن يؤدي إلى استعادة النفقات إذا بقيت الأحياء العشوائية حاضنة ومصدرة لهذه المخالفات الجسيمة التي نراها.
هذا الموضوع يحتاج إلى جهود مجلس المنطقة والمجلس البلدي والهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، لأجل وضع تصور عملي لمعالجة أو إزالة هذه الأحياء عبر خطه زمنية تأخذ في الحسبان جميع المتغيرات والاعتبارات المالية. ما نطالب به ليس جديدًا، فالذي نعرفه أن إزالة هذه الأحياء كان مطروحًا ضمن مراحل تطوير وسط الرياض، لكن ثمة عوائق حالت دون إتمام هذا المشروع.
التأخر في حسم وضع هذه الأحياء لن يكون في صالح سكان العاصمة، وسيكون عبئًا كبيرًا على الأجهزة الحكومية، وسوف يوسع المخاطر على أمننا الوطني وسلامتنا وصحتنا، إنها شوكة في خاصرة مدننا. هل نحول التحدي إلى فرصة؟