البطالة والإسكان هما أكبر قضيتين اقتصاديتين تواجهان المسؤولين في الوقت الحاضر ، يضاف إليهما تحفيز القطاع الخاص ورفع نسبة مشاركته في الناتج الوطني، ولعل قضية الإسكان التي برزت قبل سنوات وحظيت بإهتمام المسؤولين حينذاك بإنشاء هيئة الإسكان التي تحولت إلى وزارة، ومن ثم اعتماد مبلغ (250) مليار لمشاريع الإسكان، هي التي لازالت تزادد أهمية مع مرور الوقت، ويكثر الحديث حولها وتتابع أخبار وزارتها بشكل دائم، والملاحظ تحول توجه الوزارة لحلها خلال الفترة الماضية من اعتماد استراتيجية تقوم على بناء مساكن ممولة عن طريق الوزارة ومن ثم توزيعها، إلى برامج متعددة لم تنضج بعد، وربما تواجه الكثير من العقبات في المستقبل .
أعتقد أن الحلول التي تطرحها وزارة الاسكان اليوم هي حلول تفيد على المدى الطويل لكنها غير مؤثرة – كما أعتقد – على المدى القصير والمتوسط، كما أنني أرى أن الوزارة مع كثرة المبادرات والبرامج من جهة و ارتفا ع مستوى الضغوط عليها من جهة ثانية قد إنشغلت إلى حد الإنغماس في أعمال ثانوية لن تحقق أهدافها بشكل سريع كما يتطلب الأمر، وربما غفلت عن لب المشكلة التي ليست بالضرورة قضية أراضي محتكرة ولا قلة مطورين، بل هي مشكلة تمويل في الأساس، يضاف إليها ضعف متوسط الدخول قياسا بتطلعات راغبي السكن، ومشكلة فكر أيضا – كما ذكر الوزير ذات مرة – ترتبط بمتطلبات الراغبين في السكن لها علاقة بالمساحة ونوع البناء وربما موقعه من المدينة أيضا.
عندما كانت البنوك قبل إصدار نظام الرهن العقاري تقدم تمويلا يصل إلى (100%) من قيمة المسكن نشط التطوير الذي يقوده الأفراد بشكل أساسي ونشطت حركة البيع تبعا لذلك، إلا أن نظام الرهن العقاري الذي استغرق سنوات لإنجازه لم يطبق واكتفت مؤسسة النقد بتطبيق بند واحد منه وهو الدفعة المقدمة التي حددت ب 30%، وهذا ساهم في توقف حركة البيع تقريبا، فالمشترون في الغالب لا يستطيعون توفير قيمة هذه الدفعة الكبيرة بحجمها قياسا بمتوسط دخولهم .
كان يمكن لنظام الرهن العقاري أن يحدث نقلة كبيرة ليس على مستوى توسيع دائرة التملك فقط بل على مستوى الاقتصاد الكلي إذا علمنا أن تقديرات حجم الثروة العقارية يزيد عن (10000) مليار ريال على مستوى المملكة فرهن جزء بسيط منها كفيل بتحريك عجلة الاقتصاد، بدلا من تجميد ثروة هائلة في الأصول العقارية دون فائدة تذكر على كافة الأنشطة الاقتصادية صناعية كانت أو خدمية.
نعود إلى قضية الإسكان التي لازالت حلولها لم تتضح بعد ، ومع ذلك هناك مقاومة لما أعلن من هذه الحلول، من الأفراد أنفسهم ومن بعض من تخصص في الشأن العقاري من كتاب الأعلام الجديد وخصوصا (تويتر).
مهما كان عدد المبادرات والمنتجات ومهما كان حجم العمل المضني الذي تقوم به وزارة الإسكان ومهما كان حجم الضغوط التي تواجهها ، فإن تأثير تلك المبادرات سيكون ضعيفا ولن تستطيع أن تنتج الحلول الكافية لأن المشكلة أكبر، ولأن الحلول ليست جميعها بيد الوزارة ، وأعني بذلك أن الوزارة ينبغي أن لا تدخل مجال التطوير وأن لا تضمن للمطورين بيع وحداتهم لأنها لن تستطيع تحقيق ذلك، فالقضية لها علاقة بآليات السوق الاقتصادية الحرة والتنظيم والترتيب والتشجيع فقط ، أي أن الوزارة عليها أن تشجع المطورين كافة سواء كانوا شركات أو أفراد وأن تنظم السوق وتساعد وتشجع على تسهيل التمويل فهو المعضلة الأساسية بل يمثل معظمها.
إذا كان عدد طالبي السكن مليون ونصف فهذا يعني أن قيمة هذه المساكن ربما تتجاوز (1000) مليار وهو مبلغ ضخم لا تستطيع الدولة انفاقه، من هنا يأتي دور ترتيب التمويل وتسهيله وفتح آفاق أوسع لتيسيره للراغبي السكن، وهو لن يتحقق عن طريق المتبع حاليا في السوق لضخامة المبلغ أولا ولكبر حجم الفوائد المترتبة عليه ثانيا، ولعدم قدرة البنوك المحلية على توفيرة ثالثا.
طالبت قبل سنوات في مقال بصحيفة (الاقتصادية) بتحويل صندوق التنمية العقاري لبنك للإسكان يقوم بإقراض طالبي السكن على أساس تجاري محض أي بفوائد وبتحويل الراتب لضمان السداد وخفض مخاطر الاقراض ، وأطالب الأن بأن يتم تحقيق ذلك بالشروط التالية:
1- أن يعمل البنك على أسس تجارية محضة مثله مثل باقي البنوك.
2- أن يتخصص في تمويل الإسكان فقط وان يكون تمويل الشراء لا يقل عن 90% من محفظته.
3- أن لا يوضع حدا أعلى لمبلغ الاقراض، فطالبي السكن ليسوا جميعهم طبقة منخفضة الدخل ومعظمهم لهم اشتراطات في نوع السكن الذي يرغبون شراءه.
4- أن يفتتح البنك فروعا في كافة مناطق المملكة.
5- أن تكون الفوائد التي يتقاضاها مخفضة جدا (+ 70 نقطة) من الفوائد السندات الأمريكية التي يتم استثمار أموال كبيرة فيها لمواجهة مصاريف الصندوق الإدارية.
6- أن تكون ملكية البنك الجديد لصندوق الاستثمارات العامة.
7- أن يضخ فيه مبالغ كبيرة من الاحتياطيات المستثمرة في الخارج.
8- أن يعاد بيع القروض خارجيا للحصول على سيولة إضافية.
أن تأسيس هذا البنك (بنك الاسكان) سيكون داعما كبيرا لقطاع الاسكان وسيساهم في تملك الكثير من الأسر، وسيشجع المطورين للبدء في تطوير أعداد ضخمة من الوحدات في ظل التسهيلات التي تقدمها الوزارة لهم، كما أنه سيعيد جزء من احتياطيات الدولة في الخارج للسوق المحلي وسيضمن لها عوائد مماثلة أو تزيد عن ما تتقاضاه من عوائد على السندات الدولارية، كما أنه يساعد على دخول شركات غير سعودية للاستثمار في التطوير المحلي من المتوقع أن تضخ عشرات المليارات فيه، إذا تأكد لها قدرة الناس على الشراء ، الأمر الذي سيوفر سيولة نقدية اضافية تساعد البنوك في تمويل مشاريع التنمية الأخرى.
ويتبقى أن تقوم الوزارة ببرنامج لإسكان الأسر الفقيرة غير القادرة على توفير قيمة السكن عن طريق مجمعات سكنية في كافة مناطق المملكة وأن تراعى في أعداد تلك الوحدات أعداد السكان في كل منطقة ومدينة حتى لا تتكرر أخطاءالتنمية السابقة في سوء التوزيع.