
يبدو لي أن مشروع تطوير وسط الرياض يهدف إلى إنشاء وسط مدينة downtown أسوة بالمدن في كثير من بلاد العالم. مشروع جاء متأخراً، مركز المدينة أساسي لكي تعرف أين تبدأ المدينة وأين تنتهي يضاف إلى ذلك وهو الأهم أن يعبر عن الهوية التي تتميز بها عن المدن. وسط المدينة في كل المدن التي زرتها لا ينطوي فقط على مراكز أعمال وتسوق وترفيه.. إلخ، ولكنه ينطوي على تراث المدينة وأصالتها، في بعض المدن يمكنك أن تلمس في وسط المدينة كيف كان أهل هذه المدينة يعيشون في الماضي وما الوسائل التي كانوا يستخدمونها للعيش قبل عصر التقنية الحديثة.
من حسن الحظ ما زالت الرياض تحتفظ بكثير من المنازل والأحياء القديمة بصورتها التي تركها أهلها في السبعينيات، فرضت فوضى العقار في الطفرة المالية في ذلك الزمن على الناس ترك بيوتهم القديمة والرحيل شرقاً وغرباً، تركوا ماضيهم الذي عاشوا فيه أبسط حياة بحثاً عن الحياة الجديدة التي أخذت تزدهر في مناطق مختلفة من الصحارى التي كانت تحيط بالمدينة، حدث تدافع كبير للفوز بقرض البنك العقاري السخي في حينه وشجع تجار العقار هذا التدافع لجني الأرباح الكبيرة، لم توفر البلدية أي خطة لتطوير ما تركه أهل الرياض من مبانٍ وبيوت فبقيت على حالها تتداعى ببطء وتؤدة لولا أن الله شاء أن يغمرها العمال الأجانب بحضورهم لكانت اليوم مرتعاً للأشباح والقطط والكلاب الضالة، عندما تجوب اليوم الأحياء القديمة كالشميسي والقرنين وما بين العطايف والسويلم والظهيرة وغيرها من مناطق وسط الرياض سترى كثيراً من الحزن والكآبة وسط فوضى عارمة، ازدحام سيارات وبيوت مسكونة بأعداد من البشر فوق طاقتها الاستيعابية وبيوت مهجورة غير صالحة للسكن وأخرى متهدمة تندلق من أحشائها تفاصيل حياة ساكنيها في الأيام الخوالي.
من سوء الحظ قرر مشروع تطوير وسط الرياض هدم كل هذه المساكن وإبدالها بمبانٍ جديدة على الطراز الحديث مع لمسات تشي بالماضي كما يظهر في الفيلم الذي أنتجته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، باختصار لن يبق من الرياض سوى اسمها، كأن وسط الرياض القديمة الذي نراه اليوم تشكل نتيجة بناء عشوائي خارج النظام لا تراث بشر عاشوا فيه وبنوه بعرقهم وتعبهم ودفنوا فيه أحبابهم الذين سبقوهم إلى الموت، هذه البيوت المتداعية كانت منطلق هذا الوطن الذي ننعم بالحياة الرائعة فيه.
الأحياء القديمة المتداعية في الرياض تمثل تراث المملكة وتاريخها وكيف كان أهلها، على الأقل يحتفظ بحي أو حيين منها على حالها بعد ترميمها وتحصينها هندسياً وإعادتها إلى ما كانت عليه على وجه الدقة، تتحول إلى معلم سياحي يحدثك عن الرياض وأهل الرياض وكيف عاشوا أبسط حياة.