قطاع المقاولات السعودي حالياً يعاني من ازمة تتمثل بأسباب متعددة اهمها شح السيولة ونقص في عدد المشاريع الحكومية وركود القطاع العقاري في الفترة الحالية والمستقبلية مقارنة مع السنوات الماضية. وهذه المخاطر لا تقتصر على المقاولين اصحاب التصنيفات المرتفعة ورؤوس الاموال الكبيرة بل إنها امتدت للشركات المتوسطة والصغيرة العاملة بقطاع المقاولات والتي كانت تعتمد بشكل رئيس على المناقصات الحكومية بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق عقود الباطن التي تتحصل عليها من الشركات الكبرى.
وقد تكون هذه الاسباب واضحة وجليّة لكثير من المتابعين والعاملين في قطاع المقاولات ولكن ما يخفى على الكثير ان المقاولين السعوديون تحصلوا على فرص لم تتح لغيرهم في اي اقتصاد آخر واعني هنا حجم المشاريع ووفرة السيولة وهوامش الربح المرتفعة التي تصل احياناً إلى 70% من قيمة العقد الحكومي ومع هذا لم تستطع معظم ادارات هذه الشركات من توفير مشاريع ذات جودة عالية وتسليمها في الاوقات المتفق عليها رغم تعاون الحكومة معهم في العشر سنوات الماضية وإعطاؤهم مهل اضافية لتنفيذ هذه المشاريع دون تغريمهم لتأخرهم في تسليم المخرجات المتمثلة بالخدمات والمنتجات المتفق عليها.
وتم وتقديم المساعدات لهم وتعويضهم عن ارتفاع بعض التكاليف مثل رفع سعر كرت العمل وتم حظر تصدير الاسمنت والحديد لوقف ارتفاع اسعاره وتوفيره لهم بأفضل الاسعار ولكن المشكلة لدى هذه الادارات كانت تتمثل في تحمّل مالا يطيقون من مشاريع ولهذا تعثروا ولم يستطيعوا تنفيذها رغم انهم يسلمون معظمها بعقود بالباطن لمقاولين آخرين واحياناً بنصف القيمة التي اتفقوا مع الدولة عليها اي بهامش ربح يصل لـ 50% لمقاول الباطن.
ومن سبل المساعدة لهم توفير تأشيرات وتوفير عدد من العمالة الضخمة التي لم تتوفر لأي قطاع اقتصادي آخر غيرهم حتى ان بعضهم من تخمة العمالة اصبح يؤجرهم على المصانع والمطاعم وغيره من القطاعات ولكنهم لم ينجزوا مهمتهم الاساسية وهي توفير الخدمات والمنتجات وفق الشروط المتفق عليها بالوقت المتفق عليه. وعند اول هزه تعرض لها هذا القطاع المتخم بالارباح والمنفرد بأكبر نسبة من الانفاق الحكومي والتي تمثل اكبر ركيزة للسيولة والاقتصاد بالبلد.
رغم ذلك بدأ بعضهم بالتعثر واعلان الافلاس وطلب المعونات بسبب شح السيولة وتشديد الرقابة عليهم حتى ظهرت مشاكلهم الادارية على السطح متمثلة بعدم صرف رواتب العمالة كوسيلة فاشلة للضغط على الحكومة التي كانت سخية معهم لعقد من الزمان وانفقت في هذا القطاع ترليونات الريالات وقدمت لهم جميع التسهيلات ومنعت الشركات الاجنبية ان تنافسهم وجعلت هذا القطاع حكرا لهم وفرضت ضرائب على القليل من المستثمرين الاجانب في هذا القطاع مما رفع هوامش ربحهم مقارنة بغيرهم بما انهم لايدفعون الضرائب كالمستثمر الاجنبي.
الآن هم في ورطة اصطنعوها لانفسهم بسبب ضعف كفائتهم في ادارة السيولة وعدم وجود ادارات خزينة او مايسمى ادارة المخاطر في هذه الشركات التي تتحصل بعضها على مشاريع تصل لعشرات المليارات من الريالات .. التعاطف مع المقاول والمسثمر السعودي امر محبب ولكن ايضاً التعاطف مع المواطن الذي لم يتحصل على خدمات وبنية تحتيه اساسية تلائم ماكان يقدم للمقاولين من تسهيلات وترليونات يعتبر امر واجب وكل هذا دون التطرق لبعض التصرفات التي استشرت في بعض الاجهزة وكان سببها مقاولين. كما لم اتطرق في هذا المقام لما احدثوه من تأثير على سمعة المملكة التي تعرضوا لها بالسوء عند وقف رواتب عمالتهم لاكثر من سنه في بعض الشركات ولا انسى ان اشكر سيدي خادم الحرمين الشريفين على توجيهاته الاخيرة بمساعدة الموظفين في هذه الشركات المتضررين من عدم صرف مرتباتهم، والصرف لهم من مخصصات الشركات لدى وزارة المالية.