طرح هذا السؤال في احد المنتديات .. ما هي التوقعات في سوق العقار بعد مزاد ارض الغدير في الرياض والتي اشتراها صندوق الاستثمارات بـ 2.17 مليار ريال؟ وهل الصفقة تطمئن العقاريين أم تطمئن الباحثين عن قطعة صغيرة لبناء بيت صغير عليها؟
دعوني بداية أتحدث عن العلاقة القائمة بين أطراف الحوار في غالبية المنتديات والمجالس، فهي علاقة محكومة بعدم الوصول لغاية الاتفاق خاصة حين يستقر في وعي البعض أن قبوله للرأي الآخر هو هزيمةٌ لرأيه، فتضيع الحقيقة التي لو أدركها الجميع لعمت الفائدة، فالشركات التجارية تدفع مبالغ طائلة بالملايين لشركات متخصصة في تجميع انتقادات واراء الجمهور تجاه خدماتها ومنتجاتها، لتضعها في قوالب علمية تبين السلبيات والايجابيات التي هي في الاساس مصدر هام لنجاح الشركة.
هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي يؤمن بها البعض حول أسعار العقار، ولتوضيحها لا بد أولا الإيمان أن الحوار هدفه الوصول للحقيقة وليس الوصول لإزالة مفهوم المُحاور الآخر او الانتصار عليه، وعلى هذا الاساس يتم إدراك الحقيقة وتنظيمها مما يجعل التناقض في الأفكار سُلم لمزيد من الفهم والحلول, فما يتداوله البعض حول أسعار العقار خاصة انه نازل لا محاله والناصحين للناس بالتريث في الشراء.
فضمن هذا المفهوم العام لدى البعض تقف الحقيقة والواقع ضد ذلك، ومع الاسف الشديد فإن ما ذُكر من بعض الاسباب إنما حجبا للحقيقة التي ترتكز على منطق السوق واقتصاده، فعوامل رفع السعر وخفضه لا يتحكم به التجار, وإن استطاعوا ذلك فأنه مؤقت جدا وبسبب غياب المُنظم الحكومي الاقتصادي الذي متى ما وُجدَ وجد معه السوق العقاري المتزن.
ماذا تقول الحقائق الاقتصادية عن العقار مستقبلاً؟
ان المستقبل لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى قل:” وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ”، إنما المتمرسون بالعمل العقاري وكبار المستثمرين هم أقرب الى الحقيقة، فهم ينطلقون من منطلقات جوهرية وتجارب يستشرفون من خلالها المستقبل، ويتفق الجميع ان قوة الاقتصاد وضعفه مرتبط بالانتاج العام وبالأنظمة والقوانين وما يترتب عنها من رسوم وضرائب، وهذه المنظومة تحدد أداء السوق بدقتها وصحتها لتخرج عملية التسعير الصحيحة المناسبة وفقا لقواعد السوق الأخرى المتعارف عليها.
في المملكة العربية السعودية بخلاف العديد من الدول نملك مؤشر واحداً مهمً نُحدد من خلاله قوة الاقتصاد وتوقع ارتفاع الاسعار وانخفاضها: “إنه سعر النفط”، وانفاق الدوله منه، متى ما ارتفع سيرتفع سوق الاسهم فوراً والعكس صحيح، كذلك العقار وان اختلف في سرعة الاستجابة نظرا لسرعة التأثير الزمني.
والمتتبع لأسعار النفط خلال العقود الماضية سيجد تناسب وتناسق بينها وسوق الاسهم والعقار، فمتى ما تحسن سوق النفط تحسن كل شيء، ومتى ما هبط يهبط كل شيء (حتى المعنويات للأسف)، وهذه قاعدة تدعمها الأرقام والتحليلات, واليوم وسعر النفط يتجاوز 85 دولارا للبرميل الواحد، من الطبيعي ان نلمس تحسن في أسعار العقار, على الرغم ان بعض الأنظمة وخاصة من وزارة العمل قد أربكت الاسواق ارباكاً لم يسبق له مثيل، مما جعل السوق اليوم يحتاج أكثر من أي يوم سابق الى رفع مؤشرات الأمان لديه.
اما القول ان على الناس ان تنتظر الى ان تنخفض أسعار العقار الى ما كانت عليه سابقاً، هنا اختلف مع أصحاب هذا القول لأن صاحب الحاجة من المفترض ان لا ينتظر، سواء كان سكناً او استثمار صناعي أو زراعي أو خدمي، والحاجة بتأخر تحقيقها قد يكون لها تبعات أخرى أقسى من ارتفاع الأسعار او عدم انخفاضها، وان على من لديه مشروع ان يبدأ بالتنفيذ مع الاخذ بكل الأسباب العلمية وبعد الاتكال على الله سبحانه وتعالى طبعًا، وان يستعد لتحمل تبعات قراره في نهاية المطاف.
ان حل مشكلة الاسكان من خلال انخفاض الاسعار بشكل كبير جداً”، هذا القول رغم سطحيته وبعده عن الواقع بل وطرافته لا يمكن ان يكون مطلقاً، فلو وصلت الاسعار الى هبوط كبير فهذا دليل اننا نعيش كارثة اقتصادية، وحل مشكلة الاسكان ليس بنزول الاسعار بل بتحسنها الى حدود مقبولة اقتصادياً ولكن ليس بنسب كما يذكر البعض 80% او حتى 60%، ان نزول الاسعار الى مستويات متدنية جداً سيؤدي الى تدني مداخيل الناس وارتفاع تكاليف المعيشة لان الدورة الاقتصادية أصبحت غير طبيعية.
الهبوط الطبيعي للأسعار امر معقول، اما تهبيط الأسعار بقرارات دون مراعاة عوامل السوق وسياساته سيخلق مشكلة أخرى أخطرها انحسار السوق وعدم توسعه ونموه، ولا تصبح المشكلة في ان تجد عقارا بسعر مناسب، بل في ان تجد عقارا من أساسه, وهذا سيخلق طلب كبير مقابل عرض قليل وهنا طبيعيا وفق قواعد الاقتصاد ان ترتفع الأسعار، فتخيلوا كيف سترتفع والأنظمة لا تسمح بذلك!!!!
ان حل مشكلة الإسكان ليكون بتناول الجميع يحصل بوجود مشروعاً نهضوياً متعدد المداخل والابعاد تتكامل فيه مجموعة من الافكار الإبداعية في الحلول، كتوحيد كود معين ومقاسات محددة للنوافذ والابواب، معظم مواد البناء تكون جاهزة ومسبقة الصنع وموحدة حتى تنخفض تكاليف تصنيعها، ايجاد ضواحي حضارية حول المدن مرتبطة بخطوط سريعة وقطارات تربطها بالمدينة بوقت معقول جدًا، أيضا مباني متعددة الادوار تحتوي على كل الخدمات المشتركة التي تخفض من سعر البناء.
نريد أن نكيف الاسعار لتصبح في متناول الجميع، نريد خلق ظروف وبيئة تنزل فيها الاسعار بشكل طبيعي بكثرة العرض لا بقوة النظام القسري الذي يربك المنظومة الاقتصادية، لان خفض الاسعار في عواصم الدول الغنية ومدنها الكبرى ضرب من المستحيل في ظل اقتصاد قوي متنامي، أما إن كنا نرضى باقتصاد هزيل لأجل حل مشكلة الاسكان فنحن كالإنسان السمين الذي يتمنى المرض حتى ينخفض وزنه، دون أن يدرك أنه بإمكانه خفضه بالمشي واتباع حمية صحية تحت اشراف مختص غذائي.