يبدو أن القطاع العقاري في المملكة يتجه نحو تعزيز إيجابياته، والتخلص من سلبياته التي عانى منها لفترة طويلة، في مسعى منه لتحسين أدائه العام، وتسريع وتيرة إنتاجه، فضلاً عن إعادة ترتيب أولوياته واتجاهاته، في مواكبة حقيقية وواقعية لمتطلبات المرحلة المقبلة، وما قد تشهده من تحولات جذرية في الكثير من القطاعات الاقتصادية.
وبقدر التأثيرات السلبية لجائحة كورونا على المشهد العقاري حالياً، بقدر الانطلاقة التي سيشهدها القطاع في المرحلة المقبلة، بعد زوال الأزمة قريباً إن شاء الله، عندها سيعلن القطاع عن نفسه كوعاء استثماري جاذب للاستثمارات من الداحل والخارج، كما سيعلن عن نفسه كقطاع رئيسي ومحوري، لا غنى عنه في كافة القطاعات الاقتصادية.
التوقعات تشير إلى أن الدولة ستدخل وبقوة كمنظم للسوق العقاري في مجالاته المختلفة، السكني، اللوجستي، الصناعي، المكتبي والتجاري وسيكون لذلك انعكاسات إيجابية على أداء القطاع وعلى آليات العمل فيه، وكفاءة تنفيذ المشروعات العقارية، فضلاً عن إدارة تلك المشروعات بعد التنفيذ، وهذا يحقق مطالب الكثير، بإدارة المشروعات العقارية بكفاءة عالية.
لدي شعور بأن تدخل الدولة في القطاع، سيكون حافزاً لشركات التأمين العقاري، ومكاتب الوساطة العقارية، وشركات إدارة العقارات، حتى يكون لها دور متنامٍ في عمليات القطاع، ليس هذا فحسب، وإنما سيكون هناك دور مماثل للمكاتب القانونية، التي تنظم العلاقة بين البائع والمشتري، دور آخر لشركات ومؤسسات التمويل العقاري المصرح لها من هيئة سوق المال، وهذا سيعزز المنظومة العقارية، لتكون أكثر تنظيماً وإلزاماً وحوكمة من ذي قبل. وهذا الأمر يشجع الشركات والمؤسسات العقارية على الالتزام بمعايير الحصول على تصنيف، وهي كثيرة، أذكر منها تطبيق المنشأة لنماذج العقود الموحدة الصادرة من الهيئة العامة للعقار، واجتياز موظف المنشأة الدورات التدريبية المقابلة للخدمات العقارية، وكفاءة وتميز الخدمات المقدمة من المنشأة العقارية، وتقديم ثلاث خدمات أو أكثر من الخدمات العقارية المعتمدة.
وإذا ما تحققت هذه التوقعات على أرض الواقع، فسيكون هناك تغيير كبير ومباشر في هيكلة سوق العقار، تتعاظم معه الشراكة الاستراتيجية بين الدولة وشركات القطاع الخاص، أما إذا ما دخلت الدولة كمنافس في سوق العرض من خلال الوطنية للإسكان، أتوقع أن يؤثر ذلك في أسعار المنتجات العقارية، ويدفعها إلى التراجع الناجم عن وعي المشتري من جانب، والمنافسة الشريفة من جانب آخر.
ولعلي هنا أركز على إيجابية خاصة ومهمة، لطالما نادى العاملون في القطاع العقاري في فترات سابقة، وهي تعزيز التحالفات بين الشركات العقارية، والاستفادة من إمكانات هذه الشركات وخبراتها المتراكمة في إنعاش السوق وتطويره، والقدرة على القيام بالمشروعات العملاقة التي جاءت بها رؤية 2030، وهذا التحالف سيثمر عن خروج الكيانات الضعيفة غير المنظمة وغير المحوكمة من السوق، والاعتماد أكثر على الكيانات الكبيرة والخبرات الوطنية المدربة، وهذا الأمر كفيل بالقضاء على العشوائية الموجودة في القطاع، وتحقيق أعلى معدلات الكفاءة في الانفاق وخفض التكلفة، وتحقيق معدلات الكفاءة المطلوبة، واستقطاب تكنولوجيا حديثة للبناء السريع، ورخيص التكلفة بدلاً من الأساليب الحالية البطيئة وعالية التكلفة، مثل هذه الإيجابيات لا نستبعد أن نراها قريباً جداً في القطاع، وتحديداً بعد زوال جائحة كورونا.