صرح وزير الإسكان لإحدى الصحف المحلية مطلع الأسبوع الجاري، بأن وزارة الإسكان تستهدف رفع نسبة تملك المواطنين للمساكن من 47.0 في المائة إلى 52.0 في المائة خلال الأعوام الأربعة المقبلة، أي بحلول عام 2020، على الرغم من استهداف الوزارة إنشاء نحو 1.0 مليون وحدة سكنية إلى نحو 1.5 مليون وحدة سكنية. يجب علينا قراءة حجم وأهمية هذا الهدف المخطط تحقيقه من وزارة الإسكان خلال الأعوام الأربعة المقبلة، والوقوف على جدواه من عدمه، من خلال قياسه بالاعتماد على البيانات والمؤشرات الشحيحة المتوافرة حول هذه النسبة التنموية الحيوية (نسبة تملك المساكن للسعوديين).
بالعودة إلى البيانات الرسمية الشحيحة حول هذه النسبة التنموية الغامضة إلى حد بعيد، سنجد أننا أمام نوع من التناقض أو قل عدم الوضوح، التي حملت أهم مؤشراتها المعلنة نسبتين للتملك هما أيضا غير متوافقتين بصورة كبيرة جدا، النسبة الأولى أوردتها الهيئة العامة للإحصاء في تقريرها الصادر عام 2010، أن نسبة تملك المواطنين لمساكنهم بلغت بنهاية 2010 نحو 60.0 في المائة! بينما ذكر تقرير صندوق النقد الدولي عام 2014 حول الاقتصاد السعودي، أن تلك النسبة لا تتجاوز 36.0 في المائة، وكما هو معلوم أن الصندوق يستقي جميع بيانات تقاريره من الجهات الرسمية في البلدان الأعضاء فيه، ويقوم بإعداد تقاريره السنوية عن البلدان الأعضاء بما فيها السعودية كدولة عضو في صندوق النقد الدولي، وفقا لتلك البيانات الرسمية.
بناء عليه؛ إذا تم الاعتماد على نسبة تملك المواطنين لمساكنهم كما نشرته الهيئة العامة للإحصاء، البالغة نحو 60 في المائة بنهاية 2010، فهذا يعني أن النسبة الراهنة التي أوردتها وزارة الإسكان كمنطلق لهدفها الاستراتيجي للإسكان المستهدف تحقيقه بنهاية 2020، التي أوضحت أنها اليوم تبلغ 47.0 في المائة، وتستهدف رفع هذه النسبة خلال الأعوام الأربعة المقبلة إلى 52.0 في المائة، فالمقارنة هنا تبين أن كلا من نقطة انطلاق ونهاية المشروع الإسكاني تعدان أدنى بكثير من حالة تملك المواطنين لمساكنهم قبل نحو خمسة أعوام!
ويحق لنا جميعا التساؤل قياسا على بيانات الهيئة العامة للإحصاء؛ كيف انخفضت نسبة تملك المواطنين لمساكنهم من نحو 60.0 في المائة إلى 47.0 في المائة خلال خمسة أعوام فقط، بهذه الصورة المتسارعة والمقلقة؟ ذلك على الرغم من ارتفاع أعداد الوحدات السكنية الجديدة للفترة نفسها (2015-2010) بأكثر من 1.6 مليون وحدة سكنية جديدة؟
أما في حال تم الاعتماد على نسبة تملك المواطنين لمساكنهم الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي عام 2014، التي بلغت لعام 2010 نفسه نحو 36.0 في المائة، فهذا يعني أن حجم إنجاز رفع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم خلال الأعوام الخمسة الماضية من 36.0 في المائة بنهاية 2010 إلى نسبة 47.0 في المائة (النسبة التي اعتبرتها وزارة الإسكان الأكثر موثوقية ونقطة بداية أهدافها)، أؤكد أن حجم هذا الإنجاز المتمثل في ارتفاع نسبة التملك هنا، وفي غياب الاستراتيجيات الجديدة الراهنة لوزارة الإسكان، يعد إنجازا يفوق “ضعف حجم” الهدف الذي أعلنت عنه وزارة الإسكان، والذي تنوي تحقيقه خلال الفترة نفسها مستقبلا.
لعلنا الآن نكتشف أحد أوجه وآثار التضارب الكبير حول أهم المؤشرات الاقتصادية والتنموية على حد سواء، وأن نتائجه ليست هينة على الإطلاق لا على مستوى المخطط وراسم السياسات التنموية في الأجهزة الحكومية، ولا على مستوى أفراد المجتمع وجميع أطراف الأنشطة الاقتصادية في البلاد.
حينما تقف أمام تحديات اقتصادك ومجتمعك، ويراد منك أن تشخص تلك التحديات، ومن ثم تقترح لها أدوات الحل، وفي الوقت ذاته تعجز عن الاعتماد على مؤشرات حقيقية وفعلية، التي تعد الأساس والأرض الصلبة التي يفترض أن تقف عليها لأداء مهمة التشخيص ومن ثم تقديم وصفة الحل، فإنه من المحتوم أن يتعثر ويفشل تماما مشروعك التنموي، ولن يعني لك توافر الحجم الهائل من الموارد المالية أي شيء يذكر وأنت في هذه الورطة، بل إنه يعني من جانب آخر احتمال ارتفاع حجم خسائرك وهدرك للأموال بصورة أكبر مما كنت تتصور!
كيف لوزارة الإسكان، أو حتى لغيرها من الجهات ذات العلاقة، أن تحقق خطوة نجاح واحدة وهي لا تعلم على أي أرض تقف؟ ولو أن الأمر يقف عند هذا المنعطف، لكان الأمر هينا بعض الشيء، غير أنه يمتد كذلك إلى مؤشرات تنموية وحيوية أخرى لا تقل أهميتها عن نسبة تملك المواطنين لمساكنهم.
وكذا الحال تراه ينطبق على نسب تنفيذ مشروعات الحكومة، التي تستقطع سنويا من الميزانية العامة أكثر من الثلث، حتى تجاوزت خلال عقد مضى سقف التريليوني ريال، ولا يوجد حتى الساعة أي مؤشرات على نسب إنجازها أو تعثرها أو توقفها. هذا إضافة إلى غياب مؤشرات أسعار الأراضي والعقارات والمساكن، الذي حدث في غيابه ما حدث من تلاعب وغلاء غير مسبوق في أسعار السوق العقارية.
إنه أمر محير جدا، أن يقف اقتصاد بحجم الاقتصاد السعودي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وأحد أهم 20 اقتصادا حول العالم، في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه في غياب أو تضارب لأهم المؤشرات التنموية الخاصة به! والحديث هنا لتلك الجهات المعنية بتلك المؤشرات؛ هل من الكفاءة والموضوعية والدقة أن يتم التلاعب أو إخفاء أي من تلك المؤشرات؟ في الوقت الذي يواجه اقتصادنا تلك التحديات التنموية الجسيمة، وتحديدا في أهم المجالات التنموية محليا وأكثرها إلحاحا؟ وكيف لنا أن نتجاوزها ونحن على مقدرة تامة لفعل ذلك بما يتوافر، بحمد الله، للبلاد من ثروات وإمكانات غير مسبوقة، أقول كيف لنا أن نتجاوزها وأداء تلك الأجهزة يعتريه التقصير على مستوى نشر المؤشرات التنموية المختلفة؟ هل تعتقد تلك الأجهزة الحكومية أو شبه الحكومية أن سياسة تغييب المؤشرات والبيانات من شأنها أن تعالج حتى واحدا في المليون من التحديات التنموية التي نواجهها اليوم ومستقبلا؟ وهو أمر مستحيل حدوثه! ألا تعلم تلك الأجهزة الحكومية أن نشرها لمثل تلك المؤشرات غير الدقيقة، سيفاقم كثيرا من حجم ووطأة تلك التحديات مستقبلا؟ أسئلة كثيرة جدا لا تبحث عن إجابات، بقدر ما أنها تبحث عن الجهة الحكومية المسؤولة التي يجب أن تطرحها وتبحث لها عن إجابات رسمية من تلك الجهات. والله ولي التوفيق.