استكمالاً للحديث عن الحلول الراهنة للتمويل العقاري، التي تخضع خلال الفترة الراهنة لوتيرة ضخ هائلة عبر مختلف القنوات المتاحة، في ظل استدامة أغلب تشوهات السوق العقارية، خاصة فيما يتعلق ببطء تقدم تنفيذ مراحل الرسوم على الأراضي البيضاء، التي لا تزال تقف عند مرحلتها الأولى منذ منتصف 2016 حتى تاريخه، وبشكل محدود في أربع مدن رئيسة فقط (الرياض، مكة المكرمة، جدة، حاضرة الدمام)، علما بأن المدة المحددة لكل مرحلة وفقا للائحة التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي، تم تحديدها بما لا يتجاوز 18 شهرا.
معلوم أن زيادة ضخ السيولة في أي سوق مهما كانت، من شأنها أن تسهم في ارتفاع مستويات الأسعار السوقية لسلع أو منتجات أو أصول تلك السوق، والحديث هنا حول السوق العقارية المحلية، التي شهدت خلال أقل من نصف عام مضى زيادة مطردة في حجم القروض العقارية، تقدر أن تلامس 24 مليار ريال قروضًا مدفوعة إلى الأفراد خلال تلك الفترة الوجيزة، وسرعان ما بدأت نتائجها تنعكس على أرض الواقع، حيث أظهرت بيانات وزارة العدل الأخيرة، تسجيل مستويات أسعار الأراضي السكنية خلال الربع الجاري، ارتفاعا سنويا مقارنة بمستوياتها خلال الربع نفسه من العام الماضي بلغت نسبته 23.3 في المائة، ما يشير بوضوح تام إلى احتمالية ترسخ أقدام ركود السوق العقارية بصورة أشد مما سبق، وإلى مزيد من التعقيد في معالجة المشكلة.
الاحتمال الآخر؛ أن تتقدم تدريجيا حلول معالجة مشكلة صعوبة تملك المساكن، لكن في المقابل سينشأ لدى الاقتصاد الوطني والمجتمع مشكلة أخرى، لا تقل مخاطرها عن مخاطر مشكلة تملك المساكن، أو قد تزيد عليها، وهي المتمثلة في ارتفاع حجم القروض العقارية على وجه الخصوص، والقروض المصرفية والتمويلية على وجه العموم، وقد نجد أنفسنا أمام مزيج عالي المخاطرة من المشكلتين (مشكلة صعوبة تملك المساكن، مشكلة ارتفاع القروض المصرفية على الأفراد).
من المخاطر المرتبطة بارتفاع حجم القروض المصرفية والعقارية تحديدا، أنها ستزيد من درجة الارتباط بين ما تعانيه السوق العقارية من تشوهات وتعقيدات من جانب، ومن جانب آخر القطاع التمويلي المحلي الذي يتمتع خلال الفترة الراهنة بملاءة مالية عالية لافتة، وهو ما كانت عليه أوضاعه طوال أكثر من خمسة عقود مضت! خاصة مع زيادة ارتباطه عبر ضخ هائل للقروض العقارية في أيدي الأفراد، لأجل تملك عقارات وأراض تعاني تضخم أسعارها، ثم قد تأتي مراحل متتالية من زيادة تعثر أولئك الأفراد عن سداد المستحقات التي على كواهلهم، ليجد القطاع التمويلي نفسه وسط ورطة تشوهات سوق العقار، والأمر وفق هذا التصور النظري قد لا يقنع البعض، إلا أن صورته ستصبح أكثر وضوحا حال التعرف على ما يتم الحديث عنه هنا بلغة الأرقام!
تشير التقديرات الراهنة للتوقعات المستقبلية لحجم القروض المصرفية والعقارية تحديدا، وفقا للمعطيات الجارية الآن على أرض الواقع، التي يتقدمها الاندفاع الكبير نحو ضخ أكبر قدر ممكن من القروض العقارية في أيدي الأفراد الباحثين عن تملك مساكنهم وأراضيهم، إلى أنها في ظل احتمال استقرار الأسعار (المتضخمة أصلا) عند مستوياتها الراهنة، وهو احتمال مستبعد قياسا إلى الأثر المتوقع لزيادة القروض العقارية الدافع الرئيس للأسعار نحو الارتفاع، لكن من المهم التعرف على نهاية هذا السيناريو للإلمام بالصورة كاملة لما نتحدث عنه هنا، أؤكد أن نهاية هذا السيناريو تتوقع أن ترتفع القروض العقارية على الأفراد خلال الفترة المقدرة (2018 – 2022) من نحو 155 مليار ريال بنهاية 2018 إلى نحو 617 مليار ريال بنهاية 2022، مسجلة نموا يصل إلى 299 في المائة، وأن يرتفع على أثره إجمالي القروض المصرفية بإضافة القروض الاستهلاكية للفترة نفسها من نحو 494 مليار ريال إلى أعلى من تريليون ريال، مسجلة نموا يصل إلى 108 في المائة، وهو ما يشكل نحو 41 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي، مقارنة بنسبتها الراهنة في نهاية 2018 التي بلغت 25.6 في المائة.
أما في حال حدث الارتفاع في الأسعار السوقية للأصول العقارية، وهو الأقرب في ظل استدامة الأوضاع الراهنة، وعدم تقديم حلول لمعالجة تشوهات السوق العقارية (تحديدا المضي قدما في تطبيق بقية مراحل الرسوم على الأراضي)، وبفرض أن متوسط النمو السنوي لأسعار العقار تحرك حول نسبة 20 في المائة، فالمتوقع أن ترتفع القروض العقارية على الأفراد بنهاية 2022 إلى 887 مليار ريال، مسجلة نموًا سيصل إلى أعلى من 473 في المائة، مقارنة بمستواها في نهاية 2018، وأن يرتفع إثر ذلك إجمالي القروض المصرفية بإضافة القروض الاستهلاكية بنهاية الفترة إلى نحو 1.3 تريليون ريال، مسجلة نموا يبلغ 163 في المائة، وهو الحجم الكبير من القروض المصرفية الذي سيشكل نحو 52.0 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي، وبالطبع قد يتجاوز تلك النسبة كثيرا في حال ارتفعت الأسعار أكثر مما هو مقدر أعلاه، لما يمثله نمو تلك القروض من ضغوط على الأفراد، وتحديدا في قدرتهم الاستهلاكية، خاصة إذا رجعنا إلى البيانات هنا التي تظهر نسبة إجمالي القروض المصرفية إلى إجمالي الإنفاق الاستهلاكي الخاص وصولها إلى نحو 44 في المائة بنهاية 2018، وأنها في ضوء هذا السيناريو أعلاه يمكن أن ترتفع نسبتها إلى أعلى من 104 في المائة، وهو ما لا يمكن تصور نتائجه السلبية بلغة أرقام اليوم!
أخيرا؛ في حال حدث تغيير جذري على طريق إصلاحات السوق العقارية، وتقدمت خطوات تنفيذ مراحل الرسوم على الأراضي البيضاء، على العكس مما هي عليه خلال الفترة الراهنة، ونتج عنه انخفاض سنوي ملموس في أسعار الأراضي والعقارات بمعدل متوسط – 17 في المائة على سبيل المثال، فالمتوقع ألا تتجاوز القروض العقارية على الأفراد بنهاية 2022 سقف 430 مليار ريال، وبمعدل نمو مقارنة بمستواها في نهاية 2018 لا يتجاوز 178 في المائة، وألا يزيد حجم إجمالي القروض المصرفية بإضافة القروض الاستهلاكية بنهاية الفترة على 796 مليار ريال، وهو ما يشكل نحو 32 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي، مقارنة بنسبتها الراهنة في نهاية 2018 التي بلغت 25.6 في المائة، وشكلت نحو 64 في المائة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي الخاص، مقارنة بنسبته الراهنة البالغة 44 في المائة.